للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا، فإنه لما كانت جرائم الحدود، وعقوباتها مما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ لأنه مكلف بمعرفتها، فإن فرط فلا عذر له بجهله بها بل هو بهذا الجهل قد عرض نفسه للوقوع في الحرمات.

يقول الإمام مالك -رضي الله تعالى عنه، فيمن جهل من المسلمين المقيمين بدار الإسلام حكمًا من الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، وعلى الأخص أحكام الحدود: قد ظهر الإسلام ونشأ، فلا يعذر جاهل بشيء من الحدود١.

كما يقول الأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور مفصلًا ذلك مبينا أن إمكام العلم يقوم مقام العلم، وعليه فلا عذر لمقصر: ويكفي أن نقول أخيرًا: إن أمكان العلم بحكم الشرع يقوم مقام العلم الحقيقي، فمتى بلغ الإنسان عاقلًا وكان ميسرًا له أن يعلم ما حرم عليه، إما بالرجوع إلى النصوص، وإما بالرجوع إلى أهل الذكر ما دام قادرًا على الرجوع إليهم، ما كان له أن يعتذر بالجهل بالحكم سواء عن طريق ادعائه بالجهل بذات النص، أو بمعناه الحقيقي٢.

أما إذا كان قد حال بين المسلم، وبين معرفة حكم الشرع سبب قوي لم يستطع مغالبته، والنفاذ منه كأنه يكون قد نشأ بعيدًا عن كل من يعرف الحكم الشرعي، ولم يستطع الوصول إلى معرفة ما يوجبه عليه دينه.

أو يكون قد أسلم حديثًا، ولم يتمكن من معرفة أحكام الإسلام لقرب عهده به، فإنه في هاتين الحالتين يصبح ذا عذر مقبول، ويقوم في حقه ما يدرء العقوبة الحدية عنه.

وهذا هو الجهل الذي يمكن القول به لدفع العقوبة الجنائية عن هذا الفاعل الذي جهل بالحكم، وتردى في فعلته.

وفيما يأتي بيان للمراد بالجهل، وأقسامه وأنواعه، وما يقبل القول به منه، وما لا يقبل.

ثم بيان للإرادة وما تنثلم به، فلا يبقى للقصد الجنائي وجود.


١ منح الجليل ج٤ ص٥٥٠ ط الأميرية سنة ١٢٩٤هـ.
٢ نظرية الإباحة عند الأصوليين للأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور ص٥١٧ سنة ١٩٦٥.

<<  <   >  >>