للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من حيث الاعتداد به في دفع العقوبة الحية، إذ المعتبر هنا إمكان العلم لا تحققه١.

هذه هي القاعدة وورد الاستثناء عليها لا يخرجها عن كونها الأصل، وعليه فلا يعتد بجهل المسلم الذي يقيم في بلاد الإسلام٢، ولا بجهل الذي يقيم في البلاد الإسلامية بالنسبة للأفعال التي لا تختلف أحكامها من ديانة إلى أخرى، كما أن إقامة الذمي بالبلاد الإسلامي توجب عليه معرفة الأحكام المطبقة في هذه البلاد، فإن قصر فلا يعذر بتقصيره، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أمر بإقامة الحد على يهوديين زنيا، وأقيم الدليل على جريمتهما عنده٣، ولو كان لهما ما يدرء الحد عنهما لادعياه.


١ يؤيد هذا ما ذكره الأستاذ الدكتور سلام مدكور من أن ما دل الدليل الشرعي على حكمه، وجب أن يعرفه كل مكلف، فإذا جهل حكم الشرع مكلف من المكلفين، ولم يتمثل فعلًا أو كفا، فهو آثم بجهله ومطالب بما كسب. وذلك؛ لأنه يرى أن عدم الامتثال للأمر لا يستلزم العلم لكونه مطلبًا، فكل مكلف مطالب بأمور ينبغي أن يعلمها، فإن لم يعلمها، فإن الطلب قائم لا يسقط عنه، راجع الإباحة عند الأصوليين والفقهاء ص٥٠٨، ٥٠٩.
٢ الرسالة للإمام الشافعي ص١٥٤ "ط مصطفى الحلبي سنة ١٣٨٨هـ".
٣ جامع الأصول لابن الأثير ج٤ ص٢٩٩ "د السنة المحمدية سنة ١٢٦٩هـ، وقد ذكر ابن قدامة "أنه إذا رفع إلى الحاكم من أهل الذمة من فعل محرمًا يوجب عقوبة مما هو محرم عليه في دينه كالزنا، والسرقة والقذف، والقتل فعليه إقامة حده عليه، فإن كان زنا جلد أن كان بكرًا.
وغرب عام، وإن كان محصنًا رجم، لما روى ابن عمر "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى بيهوديين، فجرا بعد إحصانهما، فأمر بهما فرجما".
روى أنس: "أن يهوديًا قتل جارية على أوضاح لها بحجر، فقتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين حجرين متفق عليه، وإن كان يعتقد إباحته كشرب الخمر لم يحد؛ "لأنه لا يعتقد تحريمًا، فلم يلزم عقوبته كالفر، وإن تظاهر به عذر؛ لأنه أظهر منكرًا في دار الإسلام -فعذر عليه كالمسلم المغني ج٨ ص٢١٤-٢١٥.

<<  <   >  >>