وهب المسروق بعد القضاء، وقبل الإمضاء سقط عنه الحد، وقد ردوا على ما ذهب إليه أبو يوسف من القول بوجوب القطع استنادًا لما جاء به الحديث المذكور: بأن لا حجة لأبي يوسف فيه؛ لأن المروي قوله: هو عليه صدقة وقوله: "هو" يحتمل أنه أراد به المسروق، ويحتمل أنه أراد به القطع، وهبة القطع لا تسقط الحد: يدل عليه أنه روى في بعض الرويات أنه قال: وهبت القطع. وكذا يحتمل أنه تصدق عليه بالمسروق، أو وهبة منه، ولكنه لم يقبضه والقطع إنما يسقط بالهبة مع القبض: بدائع الصنائع ج٩ ص٤٢٧٩. وما ذهب إليه أبو حنيفة، ومحمد بعيد الاحتمال: إذ كيف يتصور أن المسروق منه يهب القطع؟ وأما ما قالاه من أن بعض الروايات قد جاءت بذلك، فهي رويات لرواة اختلط عليهم الأمر، وأمثال هؤلاء لا يعتد برواياتهم هذه في أمور التشريع الخاصة بالحدود، أما قولهما بأنه تصدق عليهم بالمسروق، أو وهبه ولكنه لم يقبضه، فهو قول لا تنهض به حجة؛ لأنه لو أمكن إسقاط القطع في مثل ذلك بالهبة لأمضى ذلك الرسول قبض الموهوب، أو لم يقبض؛ لأنه لا يتصور من الرسول قطع يد لتأخر قبض الموهوب.