للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى أن إقامة الحد على الغامدية قد جاء بعد فوات مدة طويلة هي مدة حملها، وإرضاعها١.

وهي مدة تعد تقادمًا طبقا لما ذكره فقهاء الأحناف الذي ذهبوا مذهب ثلاثة في هنا.

الأول: ويقول به الإمام أبو حنيفة، ونقله عنه أو يوسف في قوله: عهدنا بأبي حنيفة أن يقدر لنا فلم يفعل، وفوضه إلى رأي القاضي في كل عصر، فما يراه بعد مجانبة الهوى تفريطًا تقادما، وما لا يعد تفريط، وأحوال الناس والعرف تختلف في ذلك.

الثاني: ويقول به محمد بن الحسن أن المدة التي تعد تأخيرًا هي شهر؛ لأن ما دون الشهر يعتبر عاجلًا، وما بعده لا يعتبر كذلك.

وقد ذكر ابن الهمام حين قال: وعن محمد أنه قدره بشهر؛ لأن ما دونه عاجل ... قال أبو حنيفة: لو سأل القاضي الشهود متى زنى بها، فقالوا: منذ أقل من شهر أقيم الحد، وإن قالوا: شهر أو أكثر، درئ عنه.

الثالث: يعتبر أن مدة التقادم ستة أشهر؛ لأنه لا تسمع شهادة الشهود بعد حين، وفسر الحين بأنه ستة أشهر٢.

وتقدير التقادم طبقًا لما يراه القاضي رأي منطقي إذ أن الأحوال تختلف من جناية لأخرى، ومن بلد لآخر ... فما يراه قوم تقادما قد لا يراه آخرون، بالإضافة إلى أن الجرائم قد تتفشى في وقت ما، أو مكان ما، الأمر الذي يتقضي أن يوضع من النظم، والتقديرات ما يكفل


١ نيل الأوطار ج٧ ص١٢٣.
٢ فتح القدير ج٥ ص٢٨٢، ٣٠٣، البحر الرائق ج٥ ص٢٢.

<<  <   >  >>