للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد جاء في قول ابن الهمام: "ولا حد على من وجد به ريح الخمر، أو تقيأها؛ لأن الرائحة محتملة، فلا يثبت بالاحتمال ما يندرئ بالشبهات، وكذا الشرب قد يكون عن إكراه، فوجود عينها في القيء لا يدل على الطواعية، فلو وجب الحد وجب بلا موجب، إلى أن يقول: أما عدم وجوب الحد بوجود الرائحة والتقيؤ فظاهر، وطريقه أنه لو ثبت الحد لكان مع شبهة عدمه؛ لأن الرائحة محتملة، وإن استدل عليها، فإن فيها مع الدليل شبهة، فلا يثبت الحد معها"١.

كما أورد الشربيني الخطيب أن عمر -رضي الله تعالى عنه، وعلي معه قد أسقطا الحد عن امرأة أتى بها إليهما، وأقيمت عليها البينة بالزنا، وأقرت لكنها ذكرت جهدها العطش، ولم يسقها الراعي إلا بتمكينه من نفسها، واعتبر هذا إكراها لها.

فإذا كان الإكراه قد أسقط الحد مع قيام البينة، والإقرار وهما أقوى طرق الإثبات، فالأولى أن يسقط احتمال الإكراه الحد الذي تدل عليه القرائن، ومن المعروف أن الاحتمال يسقط به الاستدلال، كما أورد أيضًا أن الحد لا يجب بريح الخمر، أو السكر أو القيء الدال على شرب الخمر: لاحتمال أن يكون قد شربها غلطًا، أو مكرها والحد يدرء بالشبهة.

كما أورد أن القاضي لا يجوز له أن يستوفي في الحد بعلمه على الرأي الصحيح، وقد يكون سبب علم القاضي، وجود قرينة من القرائن الدالة٢، وهذا ما ذهب إليه فقهاء الحنابلة، فيما ذكره ابن قدامة


١ فتح القدير ج٥ ص٣٠٨-٣٠٩.
٢ مغني المحتاج ج٤ ص١٤٥، ١٩٠، المهذب ج٢٦٧، ٣١٩-٣٢٠.

<<  <   >  >>