للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو يوسف، ومحمد بوجوب الحد بالدخول في ظل عقد باطل ما دام من دخل في ظل هذا العقد قد علم أن التي عقد عليها، ودخل بها محرمة عليه تحريمًا غير مختلف فيه، فالوطء هنا قد وقع في فرج مجمع على تحريمه من غير ملك، ولا شبهة ملك، والواطئ أهل للحد عالم بالتحريم، فيجب الحد كما لو لم يوجد العقد وليس العقد شبهه؛ لأنه نفسه جناية هنا توجب العقوبة التي انضمت إلى الزنا، كما لو أكرهها ثم زنى بها.

فالعقد هنا لا أثر له؛ لأن محل العقد هو ما يقبل حكمه، وحكمه الحل والمعقود عليها هنا من المحرمات في سائر الحالات، فكان الثابت صورة العقد إلا انعقاده؛ لأنه لا انعقاد في غير المحل، كما لو عقد على ذكر.

ولأن العقد الصحيح لو انفسخ بالطلاق قبل أن يدخل على التي عقد عليها، ثم دخل بها بعد الطلاق، عوقب بالعقوبة الحدية، ولم يبق للعقد السابق أي أثر نفسخه، فما لم ينعقد أصلًا أولى١.


١ بين السرخسي ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة ومن وافقه، وما ذهب إليه أبو يوسف، ومحمد بقوله: "رجل تزوج امرأة ممن لا يحل له نكاحها، فدخل بها لا حد عليه، سواء أكان عالمًا بذلك، أم غير عالم في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، ولكنه يوجع عقوبة إذا كان عالما بذلك، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا كان عالمًا بذلك، فعليه الحد في ذوات المحارم، وكل امرأة إذا كانت ذات زوج، أو محرمة عليه على التأبيد.. والدليل عليه أن العقد لا يتصور انعقاده بدون المحل، ومحل النكاح هو الحل؛ لأنه مشروع لملك الحل، فالمحرمية على التأبيد لا تكون محلًا للحل، وإذا لم ينعقد العقد لا تحل له لا أنه لم يصادف محله فكان لغوا، كما يلغو إضافة النكاح إلى الذكور، والبيع إلى الميتة والدم، والدليل عليه أن العقد المنعقد لو رفع بالطلاق قبل الدخول لم يبق شبهة مسقطة للحد، فالذي لم ينعقد أصلًا أولى، المبسوط ج٩ ص٨٥-٨٦، فتح القدير ج٥ ص٢٦.

<<  <   >  >>