للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يسمى زواجًا، وإنما هو عهر وعليهما الحد، إن كانا عالمين بأن ذلك لا يحل، ولا حد على من جهل تحريم ذلك، ومثلهما من تزوج امرأة في عدتها، ومن طلق ثلاثًا قبل الدخول، أو بعده ثم وطئ١.

وما ذهب إليه جمهور الفقهاء من إيجاب الحد على كل من دخل على امرأة، وعاشرها معاشرة الأزواج في ظل عقد نكاح هو ما أميل إليه، وأرجحه حفظًا على روح الإسلام، وأخلاقياته وكيان الأمة، وروابطها الشرعية المقدسة؛ لأن من يقدم على ذلك، وهو عالم بتجريم فعله -الذي هو من المحرمات البينة الواضحة- لا شك أنه إنسان عابث منحرف الطبع.

وما قيمة إتيانه فعلًا باطلًا محرمًا في صورة قيامه بعقد نكاحه على من لا تحل له.

إن فعله هذا هو في حد ذاته جريمة تضاف إلى جريمة زناه المتمثل في دخوله بمن عقد عليها عقدًا باطلًا، ومثل هذا لا يتصور القول بإسقاط الحد عنه تذرعًا بوجود شبهه ترتبت على عقده الباطل.

إن العقد الباطل لا يجوز أن يترتب عليه سوى عقوبة من قام به، أن جاز أن يترتب عليه شيء -هذا بالنسبة لإيجاب الحد.

أما ما ذهب إليه ابن حزم، ومن وافقه من القول بقتل من وقع على امرأة أبيه، أو ذات محرم، فهو قول يتفق على إطلاقه٢، والذي أميل إليه، أن من وقع منه ذلك، فهو قد ارتكب جريمة الزنا، ويلمزه بها حدها، فإن تكرر منه ذلك بالنسبة لزوجة أبيه، أو ذات محرم فإنه إن جاز قتله، فإنما يكون على سبيل العقوبة السياسية لا الحدية، ولا يخفى ما ذكره فقهاء الشيعة عند قبولهم القول بشبهة الجهل من اشتراط أن يكون هذا الجهل ناشئًا عن قصور، لا عن تقصير إنه قول له وجاهته؛ لأن ادعاء الجهل أمر سهل يستطيع التذرع به من انحرف طبعه، وساء خلقه


١ يقول ابن حزم: وأما من طلق ثلاثًا، ثم وطئ فإن كان عالمًا أن ذلك لا يحل، فعليه حد الزنى كاملًا وعليها كذلك؛ لأنها أجنبية، فإن كان جاهلًا فلا شيء عليه، ولا يلحق الولد هنا أصلًا؛ لأنه وطء فيما لا عقد له معها -لا صحيحًا ولا فاسدًا، المحلى ج١٣ ص٢١٩-٢٢١.
٢ يراجع فتح القدير ج٥ ص٢٦١.

<<  <   >  >>