للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"وإذا ثبت هذا، فإن المسلم يقطع بسرقة ماله، وعند أبي حنيفة لا يجب، ولنا: أنه سرق مالا معصومًا من حرز مثله، فوجب قطعه كسارق مال الذمي"١.

أما فقهاء الأحناف، فقد جاء عنهم: أنه لا يقطع السارق من مال الحربي المستأمن عندنا استحسانًا، وفي القياس، وهو قول زفر رحمه الله؛ لأن ماله محرز بدارنًا، فإنه معصوم كالذمي، وجه الاستحسان أن العصمة بالإحراز بالدار، وإحراز المستمن لا يتم، ألا ترى أن إحراز المال تبع لإحراز النفس، ولا يتم إحراز نفسه بدار الإسلام حتى يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب، فكذلك لا يتم إحراز ماله؛ ولأنه بقي حربيًا حكمًا، حتى يبقى النكاح بينه، وبين زوجته في دار الحرب، ومال الحربي مباح الأخذ، إلا أنه يتأخر إباحة الأخذ بسبب الأمان إلى أن يرجع إلى دار الحرب، فيصير ذلك شبهة في إسقاط لقطع عن السارق"٢.

وما دمنا نقطع الحربي المستأمن إذا سرق من مسلم، فكيف لا نقطع المستأمن هو ما أرجحه، وأميل إليه، نظرًا؛ لأن ما اعتمد عليه الجمهور أقوى مما اعتمد عليه الأمام أبو حنيفة.

وما دمنا نقطع الحربي المستأمن، إذا سرق من مسلم، فكيف لا نقطع المسلم إذا سرق من الحربي المستأمن.

إن ذلك هو الأولى، بل إن نفس ما ذكره الأحناف يقرر ذلك، فهم قد اعترفوا أن القياس يحتم القطع بسرقة ماله، ولم يقطعوه استحسانًا.


١ المغني ج٨ ص٢٦٨.
٢ المبسوط ج٩ ص١٨١، فتح القدير ج٥ ص٣٦٩.

<<  <   >  >>