للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا تقادم الأمر؛ لأن ذلك يوقع الإضرار به، ويدعوه إلى أن يكتم شهادته.

بالإضافة إلى أن الفقهاء قد تحروا الدقة في طرق إثبات الجنايات الحدية إلى الحد الذي يكاد ينعدم فيه ذلك عن طريق شهادة الشهود.

وقد ذهب الشيخ أبو زهرة إلى محاولة تغليب وجهة نظر الإمام أبو حنيفة، والصاحبين بقوله: ولعل الأولى أن تقول: إن التأخير عن التنفيذ يكون مظنه توبة المرتكب، والحكم في ذاته زجر، والناس يتزجرون بصدوره، وما يريد الله تعالى عذاب عبيده، ولكن يريد إصلاح قلوبهم ويطهر جمعهم، ولعلهم قاسوا حال التأخير في التنفيذ حتى هرب، ولم يعد إلا بعد زمن، بحال رجوع المقر في إقراره بعد الحكم، وقبل التنفيذ١.

وهذا القول فيه نظر إذ إن الشيخ أبو زهرة قد بنى تغليب وجهة نظر الإمام، والصاحبيين على أساس أن من هرب مدة تعد تقادمًا قد انصلح قلبه، وبذا يكون الهدف قد تحقق، فلم يبق هناك داع لإقامة الحد الذي وصفه بأنه عذاب. إذ كيف يكون الهرب دليلًا على الصلاح؟

كما أنه لو كان إصلاح القلب هو هدف العقوبة وحده، لكان من انصلح قلبه من غير هروب بالعفو عنه ممن هرب حتى انصلح قلبه.

هذا مع أن إصلاح القلب -وهو أمر لا يستطيع الوقوف عليه إلا من أعلمه الله- لا يكفي وحده لإسقاط العقوبة الحدية عمن لزمته، ولا أدل على ذلك مما سبق من أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد


١ العقوبة للشيخ أبو زهرة ص٢٥٤.

<<  <   >  >>