للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المكلفين، فيندرئ حد الجريمة عنهم، فالإمام أبو حنيفة، ومن وافقه يدرأ الحد عن العقلاء من الشركاء بصرف النظر عمن باشر فعل جريمة الحرابة الصبي، أو المجنون أو يأتي الشركاء، لشبهه عدم إيجاب الحد على بعض من شارك في الجريمة، أما أبو يوسف، فإنه فصل الأمر وفرق بين قيام الصبي، والمجنون بالجريمة والعقلاء ردءا، وبين العكس.

فأسقط الحد عن العقلاء إذا كانوا ردءا؛ لأن عدم إيجابه على الفاعل الأصلي ينتج عنه عدم الإيجاب على التابع.

أما إن قام العقلاء بالجريمة، وكان الصبي أو المجنون ردءا، فإن الحد إذا اندرأ عن الصبي، أو المجنون لأمر خاص بهما، فإن ذلك لا يؤثر بالنسبة لمن قام بالجريمة، ولم يتوفر فيه هذا الأمر١، وذهب جمهور الفقهاء إلى القول بوجوب الحد على المكلف؛ لأن الحد وإن لم يلزم الصبي أو المجنون، فإن ذلك ناتج عن كونهما غير مكلفين، وتلزمهما عقوبة تعزيرية مع ضمان ما تلقوه من نفوس أو مال، ولا يشاركهما في عدم إلزام الحد غيرها؛ لأن الأمر بالنسبة لعدم التكليف خاص بهما، فلا يشاركهما فيها غيرهما، ولا يلزم عن ذلك شبهة في حق الباقين٢.

وذهب فقهاء الشافعية إلى القول بوجوب الحد على من باشر القتل، أو أخذ المال، فأما من حضر ردءا لما أوعينا، فلا يلزمه الحد.

واستدلوا لذلك بما روي من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق"، وقالوا بوجوب التعزير على من لم تجب عليه العقوبة الحدية؛ لأنه أعان على معصية.


١ فتح القدير ج٥ ص٤٢٩، ٤٣٠، المبسوط ج٩ ص١٩٧، ١٩٨، البحر الرائق ج٥ ص٧٤، المغني ج٨ ص٢٩٧، ٢٩٨.
٢ مواهب الجليل ج٢ ص٣١٦، المدونة ج١٦ ص١٠٢ المغني ج٨ ص٢٩٧.

<<  <   >  >>