للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما ابن حزم، فإنه يرى وجوب الحد على من قذف شخصًا آخر، حتى ولو كان المقذوف كافرًا؛ لأن الحد حكم الله تعالى على كل قاذف١، والذي أرجحه هو وجوب الحد على من قذف البالغ العاقل العفيف من أهل الكتاب؛ لأن الله سبحانه وتعالى وصفهم بالإحصان في قوله: والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب"٢: ولأن الشارع قد كمل للذمي، والمستأمن في دار الإسلام حماية أنفسهم وإعراضهم وأموالهم، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا.

فإن كان المقذوف مسلمًا، ثم ارتد فلا حد على من قذفه قبل ردته؛ لأن وقوع الرده منه تورث شبهة في إسلامه، وقت قذفه، وقيام هذه الشبهة يدرأ الحد عن الجاني.

وذهب فقهاء المالكية إلى القول: بإسقاط الحد عن الجاني، حتى ولو تاب المقذوف، ورجع عن ردته إلى الإسلام ثانية٣.

وأورد فقهاء الشافعية في ذلك رأيين أحدهما:

أن الردة من المقذوف تسقط الحد عن القاذف، نظرًا؛ لأنها تورث شبهة في إسلام المقذوف، وقت قذفه قبل إظهار ردته والثاني: أن ردة المقذوف لا تسقط الحد عن القاذف؛ لأن الردة تدين والعادة فيها الإظهار، وعليه فإن وقوعها لا ينتج شبهة قيامها إظهارها٤.

وما أرجحه من ذلك، هو ما ذهب إليه فقهاء المالكية من القول بأن الردة تسقط الحد عن القاذف حتى ولو تاب، وذلك؛ لأن جمهور الفقهاء يرى أن حد القذف سببه قيام المعرة بالمقذوف، ولا يخفى أن ردة المقذوف تلحق به من المعرة ما لا تبقي أثرا لغيرها، وعليه فلا معرة بما كان من قذفه.


١ المحلى ج١٣ ص٢٦٣-٢٦٥.
٢ يراجع تفسير القرطبي للآية ٥ من سورة المائدة ج٣ ص٢٠٧٦، ج٥ ص٤٥٦٤.
٣ حاشية الدسوقي ج٤ ص٣٢٥.
٤ المهذب ج٢ ص٢٧٣.

<<  <   >  >>