أن الشريعة الإسلامية التي سبقت قواعد التقنين الوضعي قد جاءت بنظام متكامل للتجريم والعقاب.
فهي قد جاءت بتحديد واضح للجرائم وعقوباتها، وشددت في تحديد بعض الجرائم وتعيين عقوباتها، نظرًا لما لهذه الجرائم من طبيعة خاصة ونظرا؛ لأنها تمس أمن المجتمع وسلامته، وعرفت هذه الجرائم بجرائم الحدود والقصاص.
كما وضعت القواعد العامة التي تشمل كل ما يمكن أن يقع من جرائم مختلفة، وأعطت ولي الأمر الحق في أن يختار ما يناسب هذه الجرائم من عقوبات، كما أنه تجدر الإشارة إلى أن الشريعة الإسلامية قد أفسحت مجال الاجتهاد أمام الفقهاء قضاء كانوا أو غير قضاة، وحثتهم على تقصي النصوص، واستنباط الأحكام منها، وقياس القضايا بعضها على بعض، وتطبيق أحكام ما ورد فيه نص على غيره مما لم يرد فيه نص مما يماثله طبقًا لقواعد الفقه وأصوله.
ولذا فإن الفقيه يمكنه الحكم بإباحة بعض ما لم ينص الشرع صراحة على أنه مباح، وطبقًا لمفهوم المخالفة يمكن أيضًا أن يحكم الفقيه بحظر أشياء لم يرد نص من الشارع بحظرها.
وهذا مما امتازت به الشريعة على القانون في مجال التجريم والعقاب، إذ أنه لا يسمح لقضاة القانون الوضعي أن يجرموا أفعالًا، أو أن يحكموا بعقوبات، طبقًا لقياس أو غيره مما أعطت الشريعة فيه الحق للقاضي في الاجتهاد، وأعمال القواعد القياسية١ بشرط أن يستهدف في
١ الإباحة عند الأصوليين والفقهاء أ. د: سلام مدكور ص٥٠٧. دار النهضة.