للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: قد أخرجه بقوله أول الباب: "انصب بفعل القلب"، وبقوله هنا: "لعلم عرفان".

فإن قلت: كان ينبغي أن يقيد سائر أفعال الباب كما قيد علم وظن.

قلت: لما كان الأصل "علم وظن" فإن غيرهما لا يعمل حتى يكون بمعناهما اكتفى بتقييدهما.

وأيضا فقد خرج من قوله: "انصب بفعل القلب" نحو: "رأى" بمعنى أبصر أو أصاب الرئة.

وحسب بمعنى صار أحسب وغير ذلك مما يدل على معنى غير قلبي.

ثم قال:

ولرأى الرؤيا انم ما لعلما ... طالب مفعولين من قبل انتمى

الرؤيا مصدر رأى الحلمية, فقيد الفعل بإضافته إلى مصدره.

يعني: "أن "رأى" الحلمية تتعدى إلى مفعولين كعلم لكونها مثلها في أنها إدراك بالحس الباطن ومنه: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} ١ خلافا لمن منع تعديها إلى اثنين، وجعل ثاني المنصوبين حالا ويرده وقوعه معرفة في قوله:

أراهم رفقتي حتى إذا ما ... تجافى الليل وانخزل انخزالا٢


١ سورة يوسف ٣٦.
٢ هو لعمرو بن أحمر الباهلي, من قصيدة يذكر فيها جماعة من قومه فارقوه ولحقوا بالشام فصار يراهم مناما, وهو من الوافر.
الشرح: "رفقتي" بكسر الراء جمع رفيق, والرفقة: الجماعة ينزلون جملة ويرتحلون جملة، "تجافى" انطوى وارتفع, "انخزل" انقطع من الخزل وهو القطع، ومادته خاء وزاي معجمتان ولام.
"تجافى الليل وانخزل انخزالا" كنايتان عن الظهور وبيان ما كان بهما من أمر هؤلاء.
المعنى: أرى هؤلاء مجتمعين معي مناما، حتى إذا زال الليل واستيقظت لا أرى شيئا.
الإعراب: "أراهم" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا، والضمير مفعول أول, "رفقتي" مفعول ثان, "حتى" ابتدائية, "إذا" ظرفية, "ما" زائدة, "تجافى" فعل ماض, "الليل" فاعل, "وانخزل" عطف على تجافى, "انخزالا" منصوب على المصدرية.
الشاهد: في "أراهم رفقتي" حيث أعمل "أرى" -من الرؤيا- من مفعولين أحدهما الضمير المتصل به والثاني قوله: "رفقتي" ورأى بمعنى علم.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص٨٣، وابن هشام ١/ ٣٠٩، وابن عقيل ١/ ٢٥٤، والسندوبي، والمكودي ص٤٨، والأشموني ١/ ١٦٣, والسيوطي في الهمع ١/ ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>