للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأشباه ذلك، مما تجده لشهرته يجري مجرى الحقيقة، فليس هو كذلك، بل يدق ويلطف حتى يأتيك بالبدعة لم تعرفها والنادرة تأنق لها.

الثاني: قال الإمام أيضا: واعلم أنه ليس بواجب في هذا المجاز أن يكون للعمل فاعل في التقدير إذا أنت نقلت الفعل إليه عدت به إلى الحقيقة، مثل أن تقول في ربحت تجارتهم: ربحوا في تجارتهم، فإن ذلك لا يأتي في كل شيء، ألا ترى أنه لا يمكنك أن تثبت للفعل في قولك: أقدمني بلدك حق لي على إنسان، فاعلا سوى الحق، وكذلك لا تستطيع في قول أبي نواس:

يزيدك وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا

وقول ابن البواب:

وصيرني هواك وبي ... لحيني يضرب المثل

أن تزعم أن ليزيد قائلا قد نقل عنه الفعل فجعل للوجه، ولا لصيرني فاعلا غير الهوى، فالاعتبار إذا بأن يكون المعنى الذي يرجع إليه الفعل موجودا في الكلام على حقيقته، معنى ذلك أن القدوم في المثال المتقدم موجود على الحقيقة، وكذلك الزيادة والصيرورة موجودتان على الحقيقة، وإذا كان معنى اللفظ موجودا على الحقيقة لم يكن المجاز فيه نفسه بل لا محالة في الحكم.

الثالث: هذا المجاز كما يجري في الخبر كما سلف يجري في الإنشاء، كقوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} ١، وقوله تعالى: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا} ٢ وقوله عز وجل: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} ٣، وقوله عز وعلا: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ} ٤، فإن البناء والإبقاء فعل العملة وهامان سبب آمر، وهكذا يقال فيما بعده.

الرابع: أنكر السكاكي هذا المجاز وقال: الذي عندي نظمه في سلك الاستعارة بالكناية يجعل الربيع مثلا في قولك: أنبت الربيع البقل، استعارة بالكناية عن الفاعل الحقيقي بواسطة المبالغة في التشبيه، وجعل نسبة الإثبات إليه قرينة الاستعارة على ما سبق لك في بيان مذهبه في الاستعارة بالكناية، وقد رد هذا بأنه يستلزم ألا تصح الإضافة نحو: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} ، لبطلان إضافة الشيء إلى نفسه، وألا يكون الأمر بالبناء لهامان في قوله: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} ؛ لأن المراد به حينئذ العَمَلة أنفسهم، وأن يتوقف جواز التركيب في نحو: أنبت الربيع البقل، على السمع؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية، وكل هذه اللوازم منتفية فتنتفي ملزوماتها.


١ سورة غافر الآية: ٣٦.
٢ سورة القصص الآية: ٣٨.
٣ سورة طه الآية: ١١٧.
٤ سورة هود الآية: ٨٧.

<<  <   >  >>