في اللغة توخي فيه جمع الألفاظ التي أريد بها غير معانيها الوضعية، ألا تراه وقد سئل مرة عن قوله الله عز وعلا:{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} ١، فقال: هو مجاز كقول امرئ القيس:
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
كما لا نعرف بالضبط أول من ألف في علم المعاني، وإنما أثر فيه نبذ عن بعض البلغاء كأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ الكناني المتوفى سنة ٢٥٥هـ إمام الأدباء وسلطان المنشئين في عصره، والقدوة في أساليبه التي اختص بها، وتحداه فيها الأئمة من بعده.
فقد أشار إلى مسائل منه في كتابه "إعجاز القرآن" وعني في كتابه "البيان والتبيين" بدرس بعض القواعد التي كثر ولوع القوم بها في عصره، كبيان معنى الفصاحة والبلاغة، وحسن البيان والتخلص من الخصم، وحسن الإسجاع، ثم قفّاه ابن قتيبة في كتابه "الشعر والشعراء"، والمبرد في كتابه "الكامل" فتعرضا لبعض نتف من هذه العلوم.
وغني عن البيان أن المتكلمين بداءة ذي بدء في أي فن من الفنون لا يحيطون بأطرافه، ولا يتغلغلون في استقصاء مباحثه.
لكنا نعلم أن أول من دون البديع الخليفة عبد الله بن المعتز بن المتوكل العباسي المتوفى سنة ٢٩٦هـ فقد استقصى ما في الشعر من المحسنات، وألف كتابا سماه "البديع" ذكر فيه سبعة عشر نوعا منها الاستعارة والكناية والتورية والتجنيس والسجع، إلى غير ذلك، وقال:"ما جمع قبلي فنون البديع أحد، ولا سبقني إلى تأليفه مؤلف، ومن رأى أن يقتصر عل ما اخترنا فليفعل، ومن رأى إضافة شيء من المحاسن إليه فله اختباره".
ومن البين أن اسم البديع بهذا الإطلاق يتناول ما سماه المتأخرون بعلم البيان، ثم ألف معاصره قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي المتوفى سنة ٣١٠هـ كتابا في نقد الشعر سماه "نقد قدامة" ذكر فيه ثلاثة عشر نوعا من البديع زيادة على ما أملاه ابن المعتز فتممها ثلاثين نوعا.