فتتعطل أسواقها وتخسر قريش أرباحها وثراءها. فلذلك حالوا بكل ما يستطيعون دون وقوع قتال ودون دخول المسلمين لها عامهم ذاك؛ إبقاء على مصالحهم التجارية والأدبية بين العرب.
وليس يصور لنا ذلك الغنى المستفيض إلا الأخبار التي أثرت عن كبار القرشيين في الجاهلية والإسلام، ولا بأس في ذكر عبد الله بن جدعان مثلا في ذلك:
فقد تقدم أنه كان يبسط الموائد في مكة يطعم الناس الفالوذج, وله جفنة عظيمة يأكل منها الفارس على فرسه، وفي الحديث: $"كنت أستظل بظل جفنة عبد الله بن جدعان صكة عمي"١. ورويت له أخبار أشبه بما يروى عن الملوك؛ فقد كان يتخذ القيان يغنينه ثم يهبهن لمادحه، وكان يقضي عن الناس ديونهم، وله شاعر هو أمية بن أبي الصلت، وكان يلقب بحاسي الذهب، وما أجد حاجة إلى التنبيه على بطلان خرافة الكنز التي ذكروها تعليلا لوجود كل هذا الغنى عنده، فليس من كسب له ولا لقومه سوى التجارة، وما عرفنا أن رمال الجزيرة مما تبطن الكنوز.
وأصحاب السير يقدمون لنا حسابا نستطيع أن نعتمد عليه هنا