بقي الأمر على هذا حتى عهد قريب، إذ انقطع بحلول المحنة الكبرى ببلاد العرب, فوزعت بين الفرنجة، وانحجز الحجاج عن ورود هذه الأقطار؛ لأن الحاج المغربي أو المشرقي يمر على دول كثيرة قبل أن يصل إلى الحجاز. فإن كان معه فضل من مال استنزفته تلك الدول فلا يصل إلى الحجاز إلا ببلغة لا تكاد تكفيه وحده، فيضطرّ المسكين إلى أن يسلم أمره إلى الشركات الأجنبية التي نصبتها دولها تمتص دم الحجاج وتسلبهم أموالهم وتذيقهم الموت ألوانا. فحرمت بذلك بلادنا من موارد وأرزاق عدا ما خسرت من المنافع الاجتماعية. فمات العراق كما مات الحجاز, وماتت الشام منذ نضب هذا المعين. ثم عكف الأجنبي على ما بقي في البلاد من أثارة خير يتمششها ويتعرقها حتى جردت الأرض وصوّح النبت, فما ثمة من قائم ولا حصيد: أكلتم أرضنا فجردتموها ... فهل من قائم أو من حصيد كتبنا هذا في الطبعة الأولى سنة ١٩٣٦م, أما الآن وقد انقضت خمس وعشرون سنة وأجلى الله العدو عن بلاد الشام ومصر والأمل كبير في تحرر بقية الأقطار, فعسى أن يعود للبلاد العربية ازدهارها ورخاؤها ووحدتها، فيضرب في أقطارها حجاج جميع الأمم والشعوب آمنين مطمئنين, فيعود لها رونقها ونشاطها الاقتصادي.