للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعرفة وعكاظ ومجنة وذو المجاز مواعيدها مواسم الحج" فإذا انفضّوا من ذي المجاز تروّوا من الماء ونادى بعضهم بعضا: "ترووا من الماء"؛ لأنه لا ماء بعرفة يومئذ ولا بالمزدلفة، ولهذا سمي اليوم الثامن من ذي


= منهم الأرباح وتفيض على البلاد عامة سحائب خير وسعة من العام إلى العام. تستوي في ذلك جميع البلدان العربية، فمصر كالشام والعراق كالحجاز لوقوع الأولى على طريق الحاج المغربي, ولأن الشام والعراق طريق الحاج المشرقي. ولا تسأل عن البحبوحة التي يرتع فيها أهل الحجاز في موسم الحج؛ إذ تتقاطر عليه كل تلك الأمم, ويربح أهله في هذه الأيام القلائل معاش سنتهم كلها.
بقي الأمر على هذا حتى عهد قريب، إذ انقطع بحلول المحنة الكبرى ببلاد العرب, فوزعت بين الفرنجة، وانحجز الحجاج عن ورود هذه الأقطار؛ لأن الحاج المغربي أو المشرقي يمر على دول كثيرة قبل أن يصل إلى الحجاز. فإن كان معه فضل من مال استنزفته تلك الدول فلا يصل إلى الحجاز إلا ببلغة لا تكاد تكفيه وحده، فيضطرّ المسكين إلى أن يسلم أمره إلى الشركات الأجنبية التي نصبتها دولها تمتص دم الحجاج وتسلبهم أموالهم وتذيقهم الموت ألوانا. فحرمت بذلك بلادنا من موارد وأرزاق عدا ما خسرت من المنافع الاجتماعية. فمات العراق كما مات الحجاز, وماتت الشام منذ نضب هذا المعين. ثم عكف الأجنبي على ما بقي في البلاد من أثارة خير يتمششها ويتعرقها حتى جردت الأرض وصوّح النبت, فما ثمة من قائم ولا حصيد:
أكلتم أرضنا فجردتموها ... فهل من قائم أو من حصيد
كتبنا هذا في الطبعة الأولى سنة ١٩٣٦م, أما الآن وقد انقضت خمس وعشرون سنة وأجلى الله العدو عن بلاد الشام ومصر والأمل كبير في تحرر بقية الأقطار, فعسى أن يعود للبلاد العربية ازدهارها ورخاؤها ووحدتها، فيضرب في أقطارها حجاج جميع الأمم والشعوب آمنين مطمئنين, فيعود لها رونقها ونشاطها الاقتصادي.

<<  <   >  >>