يقصدها طالب الأمن والفداء، فكم أوى إليها من خائف يطلب من يجيره فيجده ويلجأ إليه ويأمن, وكم من رجل حمل معه فداء أسيره ففكه من آسره, وكم من سادات تحملوا ديات ودماء فكانوا سبب الصلح بين قبيلين كبيرين، بل إنا لنسمع فيها منادين ينادون ذوي الحاجات لتقضى حاجاتهم، كما نرى فيها أمراء ورسل ملوك يقصدونها لأخذ ما لهم على بعض القبائل من إتاوات وغرامات كل سنة, فموعدهم بها أيام المواسم.
وإذ إن أكثر هذه الأسواق حولية تقوم أياما معلومات في كل عام، كان من المعقول أن تكون ميدانا لغير البيع والشراء، كان فيها تناشد أشعار، وكان فيها تفاخر وتكاثر، وتنافر ومقارعة ومعاظمة ... فيفوز في هذا أقوام ويخسر آخرون، وتحتفل العرب لها الاحتفال اللائق بها. وكان لهم حكام معلومون يفضّون المشاكل بين القبائل١، ولهم محكِّمون يحتكم إليهم الناس في مفاخراتهم وأشعارهم، كما لهم في هذه الأسواق خطباء.
١ قال الفيروزآبادي: "حكام العرب في الجاهلية: أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة والأقرع بن حابس وربيعة بن مخاشن وضمرة بن ضمرة لتميم, وعامر بن الظرب وغيلان بن سلمة لقيس، وعبد المطلب وأبو طالب والعاصي بن وائل والعلاء بن حارثة لقريش، وربيعة بن حذار لأسد، ويعمر الشداخ وصفوان بن أمية وسلمى بن نوفل لكنانة" ا. هـ. انظر في القاموس وشرحه, مادة "حكم".