للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فأعظم آثار الأسواق قبل البعثة هو هذا التوحيد الذي جرى بين القبائل العربية من عامة الأقطار. وأريد أن أنبه بصورة خاصة إلى التوحيد اللغوي، الذي كان للشعراء والحكام فيه على مدى سنين متطاولة أبلغ الأثر، في انتقاء الألفاظ والأساليب وشيوعها بوساطة الرواة في القبائل. وإذا شئت أن أختصر ذلك كله بكلمة واحدة قلت: إن نهضة الشعر مدينة للأسواق، بل مدينة لعكاظ خاصة. عرف لها هذا الأمر منذ الجاهلية وحتى اليوم.

فلما كان الإسلام ضعُف الشعر، وانصرف العرب إلى الفتوح، واشتغلوا بالقرآن والسنة وفهم أحكام الشريعة، فضؤل أمر عكاظ وخمل ذكرها، وانقضى عصر الفتوح وليس لعكاظ عُشر شأنها


= العبادة والتجارة معا في الحجاز أيام الحج أشهر من أن يخفى. بل قرأت عن أسواق "جواتيمالا" الآن بما يشبه ما كان يجري في أسواق العرب في الجاهلية "فقد جعل يوم الأحد فيها هو يوم السوق, ويؤمها الهنود في ذلك اليوم من الجهات المجاورة حتى مسافة خمسين ميلا؛ من أجل التجارة والعبادة في وقت واحد" ويقول المشاهد: "إن يوما واحدا تقضيه في هذا المكان حيث تلتقي التجارة والعبادة في صعيد واحد, سيكسبك إحساسا وفهما للتاريخ البشري أكثر مما تجنيه من مطالعة مائة مجلد في علم حياة الإنسان". من مقال "تقرير عن الفردوس" فيه وصف مسهب لأسواق جواتيمالا, نشرته مجلة المختار "الترجمة العربية، عدد ديسمبر ١٩٤٤".

<<  <   >  >>