للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دائبان في أن يجدا من كل شيء موضوعا للهجاء، ألف منهما ذلك أهل المربد عامة. وكانت لكل حلقة يملأ فيها ماضِغَيْهِ فخرا بقبيله وهجاء لقبيل خصمه، وكانت عبقريتهما البعيدة الغور تفتق لهما من الشعر ألوانا تشغل بها السامعين من البدو والحضر.

هذا جرير، وقف بالمربد وقد لبس درعا وسلاحا تاما وركب فرسا, أعاره إياه أبو جهضم عباد بن حصين الحبطي. فبلغ ذلك الفرزدق فلبس ثياب وشي وسوارا وقام في مقبرة بني حصن ينشد بجرير، والناس يسعون فيما بينهما بأشعارهما. فقال الفرزدق وقد وجد في لباس جرير السلاح والدرع، مادة لهجائه:

وإن كليبا إذ أتتني بعبدها ... كمن غره حتى رأى الموت باطلهْ

رجوا أن يردوا عن جرير بدرعه ... نوافذ ما أرمي وما أنا قائله

عجبت لراعي الضأن في حطمية ... وفي الدرع عبد قد أصيبت مقاتله

وهل تلبس الحبلى السلاح وبطنها ... إذا انتطقت عبء عليها تعادله

أفاخ وألقى الدرع عنه ولم أكن ... لألقي درعي من كمي أقاتله

تركنا جريرا وهو في السوق حابس ... عطية: هل يلقى به من يبادله؟

فقالوا له: رد الحمار فإنه ... أبوك لئيم رأسه وجحافله

وأنت حريص أن يكون مجاشع ... أباك ولكن ابنه عنك شاغله١

وما ألبسوه الدرع حتى تزيلت ... من الخزي دون الجلد منه مفاصله

ولما بلغ جريرا أن الفرزدق في ثياب وشي اهتبلها فرصة, فقال:

لبست سلاحي والفرزدق لعبة ... عليه وشاحا كرج وجلاجله٢!


١ النقائض صفحة ٦٢٣. الحطمية: الدرع. أفاخ: تفاجّ وفتح فخذيه وفسا. وعطية: أبو جرير. والجحافل للخيل والبغال والحمير بمنزلة الشفة.
٢ الكرج: المهر "معرب".

<<  <   >  >>