لم يقتصر الجاهليون في تجارتهم على ما قدمنا من بيوع فاسدة وعادات ضارة, فلهم إلى ذلك مساوئ لا تقل قبحا عما تقدمها؛ فمنها النجش, وهو أن تواطئ رجلا إذا أراد بيعا أن تمدحه، أو أن يريد الإنسان أن يبيع بياعة فتساومه بها بثمن كثير لينظر إليك ناظر فيقع فيها, وكذلك في الأشياء كلها١.
ومن عاداتهم المكس, وهي دراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في أسواق الجاهلية, ويقال للعشّار أيضا صاحب المكس.
والمكس لغة: النقص، والمماكسة في البيع: انتقاص الثمن وانحطاطه٢.
ولعل ذلك يكون بعد الاتفاق على ثمن معين, قال الشاعر:
أفي كل أسواق العراق إتاوة ... وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم
وظاهر أن المقصود بالمكس أشبه بالضرائب التي تجبيها حكومات اليوم على البضائع.
وقد امتد تحكم تجار العرب إلى القوت الضروري, فكانوا يحتكرونه على الفقراء فيتلقون الركبان ويشترون منهم الطعام, وربما باعوه في مكانه قبل أن يبلغ السوق وقبل أن ينقلوه. ومنهم من كان يشتري ويبيع لحساب أهل البادية, فيلحق بهؤلاء الضرر البالغ لجهلهم أمور التجارة, ولأنهم في كل حال مغلوبون على أمرهم، بعيدون عما