للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الخامس عشر: جمع القرآن في الصدور والسطور]

[مدخل]

...

[المبحث الخامس عشر: جمع القرآن في الصدور والسطور]

جمع الله -عز وجلَّ- القرآن في صدر نبيه -عليه الصلاة والسلام, كما وعده بذلك في قوله سبحانه:

{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} ١.

فوعاه قلبه، فلم ينس منه شيئًا، كما دلَّ على ذلك قوله -جلَّ وعلا- في سورة الأعلى:

{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} ٢.

"أي: سنجعلك قارئًا، بأن نلهمك القراءة فلا تنسى ما تقرؤه، والمعنى: نجعلك قارئًا للقرآن فلا تنساه"٣.

وتلقَّاه عنه أصحابه، فحفظه بعضهم بتمامه عن ظهر قلب، وحفظ بعضهم منه ما شاء الله أن يحفظ، واستعانوا على حفظه بكتابته، ولم يكن أكثرهم يعرِفُ القراءة والكتاية، فكان أحدهم إذا أنسي شيئًا ترقَّب قراءة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتابعها، ليتذكَّر من خلالها ما أنسيه، أو سأل عنه من يحفظ القرآن في صدره أو في مصحفه، وكان يعين بعضهم بعضًا على الحفظ والتدبُّر؛ إيمانًا منهم بضرورة نشر العلم بوجه عام، ونشر القرآن بوجه خاصٍّ، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرغِّبُهم في ذلك، حتى أنه جعل مهر امرأة تعليم آيات من كتاب الله.

فقد روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله، إني وهبت نفسي لك، فقامت قيامًا طويلًا، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ " فقال: ما عندي إلّا إزاري هذا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "إن أعطيتها إزارك


١ القيامة: ١٦-١٧.
٢ آية: ٦-٧.
٣ محاسن التأويل للقاسمي, ج١٧ ص٦١٣١.

<<  <   >  >>