للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخاصة الرابعة: براعته في تصريف القول, وثروته في أفانين الكلام:

فهو يورد المعنى الواحد بألفاظ مختلفة، وطرق متعددة، بمقدرة فائقة خارقة، تنقطع في حلبتها أنفاس الموهوبين من الفصحاء والبلغاء.

فهو ينتقل بك بين الأساليب الإنشائية والخبرية في المعنى المراد إبرازه، ويسلك مسالك شتَّى في التعبير والتصوير والترغيب والترهيب، من غير أن تشعر بفجوة بين أسلوب وأسلوب، أو تنافر بين كلمة وأخرى، ومن غير أن تشعر بتغيير يذكر بين الجوِّ العام للنص.

وهذا ضَرْبٌ فريد في الإعجاز البياني، جدَّ في طلبه رجال لم يلههم عنه تجارة ولا بيع، فنقَّبوا عن لطائفه، ودقائقه ونفحاته وإشراقاته، فخرجوا بعد التحري وطول التأمُّل والنظر بزاد غير قليل، زاد في إيمانهم بعظمة هذا الكتاب وقدرته على التحدي، وتأبيه على المعارضة والمطاولة، في أي وجه من وجوه الجمال الذي تحلَّى به في كل جزئية من جزئياته.

ولا نريد أن نتوسَّع هنا في ذكر مثال لكل أسلوب من أساليبه، فهذا يحتاج إلى مجلدات، ولكن نكتفي بذكر أسلوبين من هذه الأساليب، وهما:

أسلوبا الأمر والنهي: ومن خلالهما تستطيع أن تنطلق باحثًا بين دفتي المصحف عن غيرهما من الأساليب.

فخذ أولًا تعبيره عن طلب الفعل من المخاطبين، فإنه قد ورد بأساليب مختلفة، كل أسلوب منها في موقعه سديد:

١- فقد يرد الأمر صريحًا بمادَّته المستعمَلة فيه, وهو لفظ "افعل" مثل قوله تعالى:

<<  <   >  >>