للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث السادس عشر: رسم المصحف]

[مدخل]

...

[المبحث السادس عشر: رسم المصحف]

نعني برسم المصحف الخطَّ الذي كُتِبَ به في عهد عثمان -رضي الله عنه، وهو خطٌّ متميز يختلف بعض الشيء عن القواعد الإملائية التي وضعها علماء اللغة بعد كتابة هذه المصاحف العثمانية بحقبةٍ من الزمن.

"وهذا الرسم العثماني يضع أمامنا نموذجًا صادقًا لما كانت عليه الكتابة العربية في النصف الأول من القرن الهجري الأول، حين كان الناس في تلك الأيام لا يحسُّون بفرقٍ بين كتابتهم وما يجدونه في المصحف، وكان أكثر الصحابة ومن وافقهم من التابعين، وأتباعهم, يوافقون الرسم المصحفي في كل ما يكتبونه, ولو لم يكن قرآنًا ولا حديثًا، واستمرَّ الأمر على ذلك إلى أن ظهر علماء البصرة والكوفة، وأسَّسُوا لهذا الفن ضوابط وروابط بنَوْهَا على أقيستهم النحوية وأصولهم الصرفية، وسمَّوْهَا علم الخط القياسي أو الاصطلاحي المختَرَع، وسموا رسم المصحف بالخطِّ المتَّبَع.

والموقف الحق والمنهج الصواب في فهم حقيقة العلاقة بين الرسم المصحفي والإملاء العربي, هو أن الكتابة العربية أتى عليها حين من الدهر كانت تكتب بالصورة التي نجدها في الرسم العثماني، تشهد لذلك النقوش التي ترجع إلى القرن الهجري الأول، ولكن اتِّساع استخدام الكتابة العربية في القرون الهجرية الأولى قد أظهر الحاجة بوضوح إلى قواعد للكتابة أكثر تحديدًا وضبطًا، فاتجه الناس منذ القرن الأول إلى تكميل ما يبدو في الكتابة العربية من نقص، وإلى توحيد ما فيها من تعدد القواعد، وأسهم علماء العربية في هذه الحركة، وألْفَوْا مع مرور السنين رسائل وكتبًا في هذا الموضع، لكن هذه الحركة التكميلية والتقعيدية للكتابة العربية لم تبتعد بها عمَّا هي عليه في رسم المصاحف الأئمة"١.


١ انظر "رسم المصحف - دراسة لغوية تاريخية" للأستاذ/ غانم قد روى الحمد ص٧٣٠-٧٣٦.

<<  <   >  >>