للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد اعتمدوا في ذلك على آثار لا حجة لهم فيها فيما أرى، منها:

ما رواه أبو عبيد في فضائل القرآن بإسناده عن عكرمة أنه قال: "لما كُتِبَت المصاحف عُرِضَت على عثمان, فوجد فيها حروفًا من اللحن، فقال: لا تغيِّروها, فإن العرب ستغيِّرها -أو قال: ستعرّبها- بألسنتها، لو أن الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف".

ومنها ما أخرجه الفرَّاء وأبو عبيد وابن أبي داود، والداني عن أبي معاوية الضرير, عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه أنه قال: "سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَان} .

وعن قوله تعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاة} .

وعن قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} .

فقالت: يا ابن أختي, هذا عمل الكُتَّاب أخطأوا في الكتاب".

قال الأستاذ قدوري في "رسم المصحف"١: "وقد تحدَّث العلماء عن هذه الأخبار، وما قِيلَ في معناها، فضعَّف بعضهم روايتها، وردَّها لذلك، وتأوَّل بعضهم ما ورد فيها من معنى الخطأ واللحن.

يقول السيوطي: وهذه الآثار مشكلة جدًّا، وكيف يظن بالصحابة أولًا أنهم يلحنون في الكلام فضلًا عن القرآن وهم الفصحاء اللُّذُّ٢.

ثم كيف يُظَنُّ بهم ثانيًا في القرآن الذي تلقَّوْه من النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أنزل وحفظوه وضبطوه وأتقنوه!

ثم كيف يظن بهم ثالثًا اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته!

ثم كيف يظن بهم رابعًا عدم تنبههم ورجوعهم عنه!

ثم كيف يظن بعثمان أنه ينهى عن تغييره!

ثم كيف يظن أن القراءة استمرَّت على مقتضى ذلك الخطأ وهو مروي بالتواتر خلفًا عن سلف!


١ ص٢١٤ وما بعدها.
٢ اللذ -بتشديد اللام وفتحها: الطيب الحديث, والجمع بضم اللام.

<<  <   >  >>