للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان ابن خلدون "ت ٨٠٨هـ" أهم من ادعى بعد ابن قتيبة دعوى وقوع الغلط من الصحابة حيث رسموا المصاحف.

وهو يبني مذهبه على أن أهل الحجاز أخذوا الكتابة من حِمْيَر -وهو ما ينفيه البحث الحديث- إلّا أنهم لم يكونوا مجيدين لها شأن الصنائع إذا وقعت بالبدو.

ثم يقول: فكان الخط العربي لأول الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الإحكام والإتقان والإجادة، ولا إلى التوسُّط؛ لمكان العرب من البداوة والتوحش، وبعدهم عن الصنائع، وانظر ما وقع لأجل ذلك في رسمهم المصحف؛ حيث رسمه الصحابة بخطوطهم، وكانت غير مستحكمة في الإجادة، خالف الكثير من رسومهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها، ثم اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيها تبرُّكًا بما رسمه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وخير الخلق من بعده المتلقون لوحيه من كتاب الله وكلامه، كما يقتفي لهذا العهد خطَّ ولي أو عالم تبرُّكًا، ويتبع رسمه خطأ أو صوابًا، وأين نسبه ذلك من الصحابة فيما كتبوه، فاتبع ذلك، وأثبت رسمًا، ونبه العلماء بالرسم على مواضعه.

ثم يقول أيضًا: ولا تلتفتن في ذلك إلى ما يزعمه بعض المغفَّلين من أنهم كانوا محكمين لصناعة الخط، وأن ما يتخيل من مخالفة خطوطهم لأصول الرسم ليس كما يتخيل، بل لكلها وجه، ويقولون في مثل زيادة الألف في "لا أذبحنه": إنه تنبيه على أن الذبح لم يقع، وفي زيادة الياء في "بأييد": تنبيه على كمال القدرة الربانية، وأمثال ذلك مما لا أصل له إلّا التحكُّم المحض، وما حملهم على ذلك إلّا اعتقادهم أن في ذلك تنزيهًا للصحابة عن توهُّم النقص في قلة إجادة الخطِّ، وحسبوا أن الخط كمال فنزهوهم عن نقصه، ونسبوا إليهم الكمال بإجادته، وطلبوا تعليل ما خالف الإجادة من رسمه، وذلك ليس بصحيح.

ثم يستمرُّ ابن خلدون في بيان أن الخط ليس بكمالٍ في حق الصحابة؛ لأن

<<  <   >  >>