للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا التعريف لما روعي فيه المكان لم يكن ضابطًا صحيحًا لاختلاف الأماكن التي نزل فيها القرآن، بخلاف التعريف الأول، فإنه يحدِّد المكي بزمان معين، وهو ما قبل الهجرة، ويحدِّد المدني بزمان معين، وهو ما كان بعد الهجرة، ونحن نعلم أن من القرآن ما لم ينزل بمكة ولا بالمدينة, بل أنزل بأماكن أخرى متباعدة.

فقوله تعالى -مثلًا- في سورة التوبة: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ} ١، نزلت بتبوك.

وقوله -جل شأنه- في سورة الزخرف: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} ٢.

فإنها نزلت ببيت المقدس ليلة الإسراء.

الثالث: أن المكي ما وقع خطابًا لأهل مكة، والمدني ما وقع خطابًا لأهل المدينة.

وعليه يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قال: إن ما صدر في القرآن بلفظ: {يَا أَيُّهَا النَّاس} فهو مكي، وما صدر فيه بلفظ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فهو مدني؛ لأن الكفر كان غالبًا على أهل مكة؛ فخوطبوا بيا أيها الناس، وإن كان غيرهم داخلًا فيهم، ولأن الإيمان كان غالبًا على أهل المدينة، فخوطبوا بيا أيها الذين آمنوا، وإن كان غيرهم داخلًا فيهم أيضًا، وأَلْحَق بعضهم صيغة {يَا بَنِي آَدَم} بصيغة {يَا أَيُّهَا النَّاس} .

أخرج أبو عبيد في فضل القرآن عن ميمون بن مهران قال: "ما كان في القرآن {يَا أَيُّهَا النَّاس} أو {يَا بَنِي آَدَم} فإنه مكي، وما كان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإنه مدني.


١ آية: ٤٢.
٢ آية: ٤٥.

<<  <   >  >>