للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدٌ مِنكم ربه- عز وجل- حتى يَموت» (١)، فهو صريح في عدم وقوع الرؤية البصرية لأحد من الناس لله جل وعلا في هذه الدار الدنيا حتى ولو كان نبيًّا؛ لأن الله-جل وعلا- قد مَنع موسى- عليه السلام- مِنْ أن يَرَاه، وهو أحد أُولي العزم من الرسل، فكيف بمن دونه مِنْ سائر المؤمنين؟! فإن الله- جل وعلا- لما قال له موسى: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: ١٤٣] قال: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣] فمنعه من أن يراه، وفي قوله: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} أي: لما تجلى الله للجبل تدكدك ولم يَثبت، فكيف يَثبت البشر الضعيف؟!

ثانيًا: رؤية الله- عز وجل- في المنام:

ذهب جمهور العلماء إلى جواز رؤية الله في المنام، وأنها قد تقع صحيحة، بل ذكر القاضي عياض- رحمه الله- اتفاق العلماء على هذه المسألة؛ فقال: «ولم يختلف العلماء في جواز صحة رؤية الله في المنام» (٢).

وقال الإمام البَغوي رحمه الله: «رؤية الله في المنام جائزة؛ قال معاذ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إني نَعست فرأيت ربِّي»، وتكون رؤيته-جَلَّت قُدرته- ظهور العدل والفرج والخصب والخير لأهل ذلك الموضع، فإن رآه فوعد له جنة، أو مغفرة، أو نجاة من النار، فقوله حق، ووعده صدق، وإن رآه ينظر إليه فهو رحمته، وإن رآه معرضًا عنه فهو تحذير من الذنوب؛ لقوله سبحانه وتعالى: {أُوْلَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} [آل عمران: ٧٧]، وإن أعطاه شيئًا من متاع الدنيا فأخذه، فهو بلاء ومحن وأسقام تصيب بدنه، يَعظم بها أجرُه، لا يَزال


(١) أخرجه مسلم (٢٩٣١) من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.
(٢) «إكمال المُعْلِم بفوائد مُسلم» (٧/ ٢٢٠) ط. دار الوفاء.

<<  <   >  >>