للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعنى قوله: «فيُقتص لبعضِهم من بعض» - كما قال العلَّامةُ ابنُ عُثَيمين -رحمه الله-: أن «هذا القِصاص غير القِصاص الأَوَّل الذي في عرصات القيامة؛ لأنَّ هذا قصاصٌ أَخَصُّ لأجل أن يذهب الغِلُّ والحِقد والبغضاء التي في قلوب الناس، فيكون هذا بمنزلة التنقية والتطهير، وذلك لأنَّ ما في القلوب لا يَزول بمجرد القِصاص، فهذه القَنطرة التي بين الجنة والنار؛ لأجل تَنقية ما في القلوب حتى يدخلوا الجنة وليس في قلوبهم غِلٌّ، كما قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: ٤٧]» (١).

ومعنى قوله: «هُذِّبُوا ونُقُّوا»، أي: خُلِّصُوا من الآثام بِمُقَاصَصَة بعضِها ببعضٍ.

وقوله: «أُذن لهم في دخول الجنة» يعني أنَّهم سيَجدون أبواب الجنة مُغلقة، ولن يجرؤ أحد أن يستفتح باب الجنة، إلى أن يَشفع النبي -صلى الله عليه وسلم- في دخولها، ويدخل الجنة أمامهم؛ فيكون أول مَنْ يطلب أن تُفتح الجنة، وهذا من شفاعته الخاصَّة التي لا يُشاركه فيها مشاركٌ؛ فعن أنس -رضي الله عنه-: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أنا أَوَّلُ النَّاس يَشفع في الجَنَّة، وأنا أكثرُ الأنبياء تَبَعًا» (٢)، وعنه- أيضًا- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «آتِي بابَ الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازنُ: مَنْ أنتَ؟ فأقول: مُحَمَّدٌ. فيقول: بِكَ أُمِرْتُ لا أفتحُ لأحدٍ قَبْلَكَ» (٣).

فيكون النبي -صلى الله عليه وسلم- أَوَّلُ مَنْ يدخلُ الجنة، وتكون أُمَّته أول مَنْ يدخلُها من الأمم؛ كما تقدم في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنَّ


(١) «شرح الواسِطيَّة» (ص ٥٢٠).
(٢) أخرجه مسلم (١٩٦).
(٣) أخرجه مسلم (١٩٧).

<<  <   >  >>