وقوله -رحمه الله-: «الإيمانُ بالقَدَر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين» - بَيَّن فيه مَراتب القَدَر الأربع التي هي:(العِلم والكتابة والمَشيئة والخَلْق).
فذكر هنا مراتب القَدَر، وجمع هنا بين مرتبتين؛ مرتبة العلم ومرتبة الكتابة؛ باعتبار أنهما متلازمتان، كما أنَّه بالدرحة الثانية جمع بين الخلق والمشيئة، فالقسمة إما ثنائية وإمَّا رباعية، فإذا قلت: رباعية، فتقول:(العلم، الكتابة، الخلق، المشيئة).
وإذا قلت ثنائية، فتقول:(العلم، الكتابة)، أي: عَلِم سبحانه وتعالى ذلك وكَتَبَه، ثم خَلَقَه وشاءه.
فقال:«الإيمانُ بالقَدَر على دَرجتين؛ كل درجة تتضمن شيئين:
فالدَّرجة الأولى: الإيمانُ بالعلم والكتابة»؛ فالله- تَعالى علم الأشياء قبل كونها، ويعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، كما أخبر- مثلًا- عن شأن أهل النار فقال:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}[الأنعام: ٢٨]؛ فلو رُدُّوا إلى الدنيا فسيكون منهم عودة إلى ما نَهاهم الله عنه، وهذا لا يكون ولكنه لو كان فسيكون بهذه الحال، فالله سبحانه وتعالى علم الأشياء قبل كونها، وهو عليم بها أثناء كونها، وعليم بما سيكون، وعليم بما لم يكن لو كان كيف يكون، فسبحان مَنْ وَسِع علمُه كل شيء!
فهو عليمٌ بما الخلقُ عاملون بعلمِه القديم الذي هو مَوصوفٌ به أزلًا وأبدًا؛ ونحن نؤمن أن الله متصف بجميع الصفات أزلًا وأبدًا.
وغُلاة القدرية- كما أشار المصنف- يقولون والعياذ بالله-: إن الله لا يعلم أنَّ العبد سيَعمل هذا العمل إلَّا عند وقوعه. تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.