وقولُ شيخِ الإسلامِ -رحمه الله- هنا:«فهذا التقديرُ- أي: تقدير العِلم والكتابة- قد كان يُنكره غُلَاة القدرية قديمًا، ويقولون: إنَّ الأمرَ أُنف؛ أي: أنَّ اللهَ لا يَعلم أفعالَ العباد إلا بعد وجودها.
قال الإمامُ النَّوويُّ -رحمه الله-: «واعلم أنَّ مَذهبَ أهلِ الحَقِّ إثباتُ القَدَر، ومعناه: أنَّ الله- تبارك وتعالى- قَدَّر الأشياء في القِدَم، وعَلِمَ- سبحانه- أنَّها ستقع في أوقاتٍ معلومة عنده -سبحانه وتعالى-، وعلى صفاتٍ مخصوصة؛ فهي تقع على حسب ما قَدَّرها -سبحانه وتعالى-، وأنكرت القدرية هذا، وزعمت أنه -سبحانه وتعالى- لم يُقَدِّرها، ولم يتقدم علمُه -سبحانه وتعالى- بها، وأنَّها مُستأنفة العلم، أي: إنَّما يَعلمها- سبحانه- بعد وقوعِها، وكذبوا على الله سُبحانه وتَعالى وجَلَّ عن أقوالهم الباطلة علوًّا كبيرًا.
وسُمِّيت هذه الفرقةُ قدريَّة؛ لإنكارهم القَدَر؛ قال أصحابُ المَقالات من المُتَكَلِّمين: وقد انقرضت القدريةُ القائلون بهذا القول الشَّنيع الباطل، ولم يَبق أحدٌ من أهل القِبلة عليه، وصارت القدريةُ في الأزمان المتأخرة تَعتقد إثبات القَدَر، لكن يقولون: الخير من الله، والشَّرُّ مِنْ غيره» (١).