للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى معرفة كنهها وكيفيتها، فإن الله سبحانه لم يُكَلِّف العباد ذلك، ولا أراده منهم، ولم يجعل لهم إليه سبيلًا» (١).

فالعارفون به المصدقون لرسله المقرون بكماله يثبتون لله جميع صفاته، وينفون عنه مشابهة المخلوقات؛ فيجمعون بين الإثبات ونفي التشبيه، وبين التنزيه وعدم التعطيل، ويُفوضون علم كيفية اتصاف الباري عز وجل بتلك الصفات إليه سبحانه وتعالى، فلا عِلم للبشر بكيفية ذات الله تبارك وتعالى، «ولا تفسير كنه شيء من صفات ربنا تعالى؛ كأن يقال: استوى على هيئة كذا، وكل مَنْ تجرأ على شيء من ذلك فقوله مِنْ الغلو في الدين والافتراء على الله عز وجل، واعتقاد ما لم يَأذن به الله، ولا يليق بجلاله وعظمته، ولم ينطق به كتاب ولا سُنَّة، ولو كان ذلك مطلوبًا من العباد في الشريعة لبَيَّنه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو لم يَدَع ما بالمسلمين إليه حاجة إلا بَيَّنه ووضَّحه، والعباد لا يعلمون عن الله تعالى إلا ما عَلَّمهم، كما قال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}، فليؤمن العبد بما عَلَّمه الله تعالى وليقف معه، وليُمسك عما جهله، وليكل معناه إلى عالمه» (٢).

ومعنى قول أهل السنة: (من غير تكييف)، أي: مِنْ غير كيف يعقله البشر، وليس المراد من قولهم: (من غير تكييف): أنهم ينفون الكيف مطلقًا، فإنَّ كل شيء لابد أن يكون على كيفية ما، ولكن المراد أنهم ينفون عِلمهم بالكيف؛ إذ لا يَعلم كيفية ذاته وصفاته إلا هو سبحانه (٣)؛ لأنه تعالى أخبرنا عن الصفات، ولم يُخبرنا عن كيفيتها؛ فيكون تعمقنا في أمر الكيفية قَفْوًا لما ليس لنا به علم، وقولًا بما لا يمكننا الإحاطة به.

وقد أخذ العلماء من قول الإمام مالك: «الاستواء معلوم، والكيف


(١) «الصواعق المرسلة» (٢/ ٤٢٥ - ٤٢٧).
(٢) انظر: «معارج القبول» (١/ ٣٢٦، ٣٢٧).
(٣) «شرح العقيدة الواسطية» (ص ٢١).

<<  <   >  >>