صحيحة، والصَّحيح منها ليس بقاطع، بل هو قابل للتأويل» (١).
فهذا النَّقل يُبين لك مدى تقديم هؤلاء لشبههم العقلية وتعصبهم لها، وكيف أنهم يجعلونها هي الأصول والسمع معروضًا عليها؛ فما أجازته عقولهم قَبِلوه، وما لم تُجزه عقولهم شَكَّكوا فيه وانتقصوه، ومِن ثَمَّ سَعوا في تأويله وتحريفه، ومَن يلقي نظرةً على كتب الأشاعرة- مثلاً- يجد أنَّ القوم يقسمون أبواب العقيدة إلى:(إلهيات- ونبوَّات- وسمعيات)، وهم في باب (الإلهيات والنُّبوات) لا يَقبلون نصوص الكتاب والسنة، ولذلك لن تجد في هذين البابين إلا الشُّبه العقلية المركبة وفق القواعد المنطقية، ويا عجبًا؛ أنأخذ ديننا من كلام الله ورسوله، أم مِنْ ملاحدة اليونان وتلاميذهم؟!
وأمَّا باب (السمعيات) - أي: البعث والحشر والجنة والنار والوعد والوعيد- فهم يَقبلون فيه النصوص الشرعية، وبالتالي سموا هذا الباب بـ (السمعيات) في مقابل باب (الإلهيات والنبوات)؛ إذ إنهم يعتمدون فيهما على العقليات، وهؤلاء شابهوا حال مَنْ قال الله تعالى فيهم:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
وقد زلَّت في هذا الباب فِرَقٌ شتى، وقد أرجع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اختلافهم إلى قولين؛ فقال: «والناس متنازعون: هل يُسَمَّى الله بما صح معناه في اللغة والعقل والشرع وإن لم يَرد بإطلاقه نص ولا إجماع، أم لايُطلق إلا ما أطلق نصًّا أو إجماعًا، على قولين مشهورين:
(١) «الاقتصاد في الاعتقاد» لأبي حامد الغزالي (ص ١٣٢، ١٣٣)، وقال في كتابه «المستصفى» (٢/ ١٣٧، ١٣٨): «كل ما دلَّ العقل فيه على أحد الجانبين فليس للتعارض فيه مجال، إذ الأدلة العقلية يستعجل نسخها وتكاذبها، فإن ورد دليلٌ سمعي على خلاف العقل؛ فإمَّا أن لا يكون متواترًا فيُعلم أنه غير صحيح، وإما أن يكون متواترًا فيكون مؤولًا ولا يكون متعارضًا».