وبهذا تبين بطلان مذهب أهل التعطيل؛ سواء كان تعطيلاً عامًّا أم خاصًّا.
وبه عُلم أن طريق الأشاعرة والماتريدية في أسماء الله وصفاته وما احتجوا به لذلك لا تندفع به شُبه المعتزلة والجهمية، وذلك من وجهين:
أحدهما: أنه طريق مُبتدع لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا سلف الأمة وأئمتها، والبدعة لا تُدفع بالبدعة، وإنما تدفع بالسُّنَّة.
الثاني: أن المعتزلة والجهمية يُمكنهم أن يحتجوا لما نفوه على الأشاعرة والماتريدية بمثل ما احتج به الأشاعرة والماتريدية لما نفوه على أهل السنة، فيقولون: لقد أبحتم لأنفسكم نفي ما نفيتم من الصفات بما زعمتموه دليلاً عقليًّا، وأَوَّلتم دليله السَّمعي، فلماذا تحرِّمون علينا نفي ما نفيناه بما نراه دليلاً عقليًّا، ونؤول دليله السمعي؟ فلنا عقول كما أنَّ لكم عقولاً، فإن كانت عقولنا خاطئة فكيف كانت عقولكم صائبة؟ وإن كانت عقولكم صائبة فكيف كانت عقولنا خاطئة؟ وليس لكم حجة في الإنكار علينا سوى مجرد التحكم واتباع الهوى.
وهذه حجة دامغة، وإلزام صحيح من الجهمية والمعتزلة للأشعرية والماتريدية، ولا مَدفع لذلك ولا محيص عنه، إلا بالرجوع لمذهب السلف الذين يطردون هذا الباب، ويُثبون لله تعالى من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتًا لا تمثيل فيه ولا تكييف، وتنزيهًا لا تعطيل فيه ولا تحريف، ومَن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.