للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا السَّمع: فلأن الله تعالى وصف نفسه بأوصاف كثيرة مع أنه الواحد الأحد؛ فقال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} {البروج: ١٢ - ١٦]، وقال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} {الأعلى: ١ - ٥]؛ ففي هذه الآيات الكريمة أوصاف كثيرة لموصوف واحد، ولم يلزم من ثبوتها تعدد القُدماء.

وأمَّا العَقل: فلأن الصفات ليست ذوات بائنة من الموصوف حتى يلزم من ثبوتها التعدد، وإنما هي مِنْ صفات مَنْ اتصف بها، فهي قائمة به، وكل موجود فلا بد له من تعدد صفاته، ففيه صفة الوجود، وكونه واجب الوجود أو ممكن الوجود، وكونه عينًا قائمًا بنفسه أو وصفًا في غيره.

وبهذا- أيضًا- عُلِم أنَّ «الدَّهر» ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه اسم جامد لا يَتضمن معنى يُلحقه بالأسماء الحسنى، ولأنه اسم للوقت والزمن؛ قال الله تعالى عن منكري البعث: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} {الجاثية: ٢٤]، يريدون مرور الليالي والأيام.

فأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله عز وجل: «يُؤذيني ابنُ آدم؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ وأنا الدهر، بيَدِي الأمر، أُقَلِّب الليلَ والنَّهارَ» (١)، فلا يدل على أن الدهر من أسماء الله تعالى، وذلك أن الذين يَسُبُّون الدهر؛ إمَّا يريدون الزمان الذي هو مَحل الحوادث، لا يريدون الله تعالى.

فيكون معنى قوله: «وأنا الدَّهر» ما فَسَّره بقوله: «بِيَدِي الأمرُ، أُقَلِّب الليل والنهار»، فهو- سبحانه- خالق الدهر وما فيه، وقد بين أنه يقلب الليل والنهار، وهما الدهر، ولا يُمكن أن يكون المُقَلِّب (بكسر اللام) هو المُقَلَّب (بفتحها)، وبهذا تبين أنه يمتنع أن يكون الدهر في هذا الحديث مرادًا به الله تعالى».

* * *


(١) أخرجه البخاري (٤٨٢٦) ومسلم (٢٢٤٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <   >  >>