وفي هذه القصيدة يتدحرج من قمة السلم الذي ارتقى درجاته نحو الأمل والحب إلى الهوة المريحة؟ إلى الموت. لقد ابتلع النهر الفتى (النهر هذه المرة لا البحر) وأخذ أبوه يجري هنا وهناك يسأل عنه المياه، ويصرخ في وجه النهر داعيا فتاه؟ وفي يده مصباح يرتعش ورعشاته ترسم هاتين الكلمتين:" محال يراه "، وفي أثناء هذا البحث الملتاع أطلت من الماء صورتها تقول للوالد المفجوع؟ " لا لن تراه "؛ هكذا يضطرب هذا الشريط اضطرابا شبيها بذبذبة المصباح المرتعش، وكأن الشاعر ما وجد المنتظرة إلا ليفقدها، فلو حاسبناه بحسب تسلسل قصائده لوجدنا ان حلاوة الوجدان لم تدم إلا أياما، ثم كانت آلام الفقد هي التي ترسم حروف هذا الشعر باللهيب والأنفاس المحترقة، ثم خلق الفقد معنى الملال بل معنى التغير والتلفت والخيانة والانطلاق إلى حبيب آخر.
وحين حمل الورقة التي جاهد في سبيل الحصول عليها خمس سنوات عائدا إلى قريته، كان يحمل معها أشلاء نفس هاوية، لا غذاء لها إلا الحسرة على ما كان؛ ليس الريف هو ذلك الريف الذي احبه، إنما هو خواء مقفر وخريف اصفر، يستيقظ الموتى فيه ليلا يتساءلون متى النشور؟ والردى يصيح في ضلوعه ليسمع التراب الذي كان " أمه "