للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حين تضيق الحال المادية بين أهله، ولا يجد الفرد فيه متنفسا لأحزانه وآلامه سوى التسخط على هذا التصرف أو ذاك، والحنق على هذا الشخص أو ذاك، ويصحب ذلك من شئون الصراخ و " النتر " ما يؤذي شعور طفل مرهف الإحساس؛ وقد كان آل السياب يعدون في بقيع ثالث ذوي الأملاك، وكانت أملاكهم مشتركة فيما بينهم يتقاسمون غلتها، ويقول بدر: " لقد تحدرت من عائلة تملك بستانين للنخيل يشتغل فيها فلاحون يتقاضون الثمن من النتائج " (١) ، ولكن هذا القول يشير إلى بقية " عز " قديم، إذ أن العائلة بعيد أن جاء بدر إلى هذه قد تورطت في مشكلات كثيرة ورزحت تحت عبء الديون، فبيعت الأرض تدريجيا وطارت الأملاك ولم يبق منها إلا القليل؛ وحين كان بدر في صباه الباكر كان والده لا يملك شيئا ولا يعمل شيئا وإنما يعتمد في رزقه على أخويه. وكل ذلك ينبئ عن أن الضيق المادي في العائلة الكبيرة؟ وهو ضيق متدرج حتى نشوب الحرب العالمية الثانية - كان يخلق النكد في جو البيت، ويؤدي إلى إهمال الأطفال أو التقصير في تلبية مطالبهم، ولهذا كان بيت الجدة في جيكور ارحب صدرا وأوسع أكنافا وابعد - نسبيا - عن شئون النكد والتنغيص.

غير أن الشاعر حين يتحدث من بعد عن بيت العائلة في جيكور فإنما يعني البيت الذي ولد فيه وعاش فيه سنوات الطفولة في ظل أمه، وقضى فترات متقطعة من صباه وشبابه الباكر في جنباته، وهكذا ينبسط اسم " جيكور " على القريتين، إذ ليست " بقيع " في واقع الحال الا حلة من جيكور، وقد دعاه الشاعر في إحدى قصائده المتأخرة " بيت الاقنان " وجعل عنوان القصيدة عنوانا لديوان كامل، وهي تسميه غريبة حقا، سنرجئ الحديث عنها، لنتولى القول فيها حين يحين


(١) الحرية: ١٤٤١.

<<  <   >  >>