لعرض المشكلات الإنسانية الكبرى. ومن الهام ان نتذكر بأن الموضوع الشعري رغم جدته وبعده عن الموضوع الذاتي القديم لم يتطلب شكلا جديدا أو قالبا خاصا من التعبير، وان السياب لم يجد خيرا من البحر القديم والتعبير الجزل الهادر ليعبر بهما عن آلام الحروب وبشاعتها. وقد رأينا ان اختيار هذا الشكل لم يكن مسئولا عن سمات الضعف الفني الذي لحق القصيدة؛ واذن فنحن أمام قضية هامة: في قصيدة " السوق القديم " استغل السياب شكلا جديدا لموضوع أزلي وأخفقت قصيدته، وفي " فجر السلام " ذات الموضوع الجديد استغل شكلا قديما وأخفقت قصيدته. وعلى هذا لا يحق لنا أن نقول أن الشكل هو الحقيق بإنجاح القصيدة ولا ان الموضوع هو الذي يستطيع أن يجعلها فنية، وإنما هو تلك الموهبة التي تستطيع ان تسخر أي شكل ملائم وتستغله لموضوع ملائم، وان الجدة في الشكل لا تصنع شعرا جديدا كما أن الجدة في الموضوع تعجز عن ذلك.
وقد يقال دون عناء إن السياب كان يجرب، فمرة يضع الموضوع القديم في شكل جديد ومرة يعكس الآية، حتى إذا استقامت التجربة وصلحت، ظهر نجاحه، وهذا أمر لست أناقشه لأن معناه ان الشاعر وجد طريقه الصحيح، ومن أبدى مثل هذا الرأي كان عليه ان يفسر لم يخفق موضوع جديد في شكل جديد فذلك أمر يدل بداهة على أن ممارسة الأمرين معا ليست كفيلة بالتميز الفني في كثير من الأحيان.
ولنعد إلى قصيدة " فجر السلام ": ان الطول الذي تتمتع به هذه القصيدة وأخواتها في الفترة نفسها يشير إلى ان الشاعر لم يحاول تحولا في الموضوع وحسب وإنما وجد نفسه ينتقل من دور القصيدة الأغنية ذات الطول المقتصد إلى القصيدة الطويلة، وقد شجعته قصيدة " السوق القديم " على هذه النقلة، فأضحت اكثر قصائده في هذه الفترة طويلة مسترسلة. حتى ليحس من يدرس نتاجه في هذا الدور