للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لن تتردد فيه الشرطة، وقدر انه قد يسجن وانه سيفصل من وظيفته؟ دون ريب - ولم تعد لديه وسيلة يلجأ إليها سوى الهرب من العراق، فتنكر في ملابس إعرابي وسافر إلى البصرة، وفي أبي الخصيب سلمه بعض أقربائه إلى بعض " المهربين "، فنام ليلة في دار ذلك المهرب، وفي فجر اليوم الثاني؟ وكان يوما شتائيا باردا - أيقظه دليله، فسار بدر وراءه حتى بلغا نهرا صغيرا يفصل بين العراق وإيران، وحين اجتاز بدر ذلك النهير اصبح في ارض إيرانية (١) .

ولم تزد إقامة بدر هذه المرة في إيران عن شهرين وعشرة أيام، فذهب هو وصديقه العربي الإيراني محمد حسين إلى عبادان لعلهما يجدان سفينة تنقلهما إلى الكويت، وكان بدر يحمل كيسا صغيرا من القماش فيه دشداشة وفانيلة ونعل وكتاب " كيف تتعلم اللغة الفارسية في أيام ". وبعد ثلاثة أيام استطاع هو ورفيقه ان يصلا إلى القصبة، إلى الجنوب من عبادان، وهناك نزلا عند مختار القرية، وقد تجاوزا فترة الضيافة المعهودة، فكان المختار ضيق الصدر بهما، حتى إذا وجدا السفينة التي تنقلهما إلى الكويت كانت سفينة شراعية، قاعها من الطين لأنها " مطعونة " فالطين فيها يحول دون تسرب الماء ويسكبها ثقلا، وربانها رجل قذر مقامر سكير كليل النظر. وبينما كانت السفينة تسير بهم في عرض الخليج كادت تصطدم بأحد الفنارات، وصاح بهم الربان: " تشاهدوا "، ولكن اليأس الغالب جعل بدرا يقوم فيعنف الربان، وبهذه الحركة حفز الركاب إلى إبعاد السفينة عن الخطر المحقق، ولكن الرياح والبرد القارس والجوع كانت عوامل قاهرة، ولما اشتد عصف الرياح اخذ بدر يدعو قائلا: " يا الله نجنا، يا مهلك موسى ومنجي فرعون؟. " وحين لاح بر الكويت كان يصرخ بينه وبين نفسه: " لقد


(١) الحرية: ١٤٤٢، ١٥٠٢.

<<  <   >  >>