للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كالقمح لونك يا ابنة العرب ... كالفجر بين عرائش العنب

أو كالفرات على ملامحه ... دعه الثرى وضراوة الذهب

لا تتركوني فالضحى نسبي ... (١) من فاتح ومجاهد ونبي وهذا الارتكاز على لباب جوهري وأهداب تعتبر؟ في مجملها - علائق فنية جميلة قد يعوض بعض تعويض عن التعسف الذي ادخل الحيف على المبنى الفني الكلي، إذ نجد في اللباب مطلبا أكبر من الحديث عن مومس بائسة، كما نجد في الأهداب مكملات ضرورية للبراعة في السرد أو في التصوير. ومع أن القصيدة لا تتحمل بعدا رمزيا في جميع شخوصها وأحداثها، فإنها يمكن ان تتخذ في عمومها صورة لوضع اجتماعي عام يسوده الاضطراب والفقر والتشبث بمثل بالية؛ آلا أنها تصف اكثر مما تضرب جذور العلل والأدواء، ولا تحمل المسوغات حين تحشد الكوارث، وتطلق " الجبرية " من عقالها وتغل يد الإنسان عن التغيير، وتلقيه في الانتظار، ولعل بواعثها الذاتية إنما كانت نقمة الشاعر على المدينة وسأمه النفسي من تجاربه في دروبها المظلمة.

وقد خضع السياب فيها لمؤثرات خارجية: أما في الموضوع فإنه كان مأخوذا بسحر الروايات الميلودرمية الشائعة التي تهول على المشاهدين بما تكدسه من فواجع، لاعتقاد كتابها ان ذلك يبتز العطف والرثاء ويستدر الدموع؛ وأما في السياق فقد أراد أن تكون القصيدة شاهدا على أتساع الثقافة، ولهذا حشد فيها كثيرا من الإشارات إلي الأساطير - كما رأينا - وقد بدت أكثر تلك الإشارات مجتلبة، ما عدا ذكر أوديب، توطئة للحديث عن العمى، ورمزا للاستباحة العمياء التي لا تستطيع التفرقة بين الحلال والحرام؛ ثم إن " أوديب "


(١) ص ٢٤.

<<  <   >  >>