للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصغرى تغيم بالأسى، والطفل يحس برعشة البكاء، فتلتفت الأم الكبرى بعينين باكيتين ووقع قطراتهما يقول: مطر؟ مطر؟ مطر؟، أنشودة متصلة متقطعة في آن تشبه هذيان الطفل الذي قالوا له ان أمه ستعود، ورفاقه يهمسون ان قبرها هناك على التل، يشرب قطرات المطر؟ ويجتاح كله حزن غامر، فيزداد إحساس الغيب بالضياع على سيف الخليج، فيصيح به " يا خليج يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى؟ ".

المنظر ناضح بالحزن حتى أعماقه، ورغم انه يصور طفولة الشاعر ويستمد اكثر مواده منها فانه الحقيقة التي يجب أن تلد حقيقة مغايرة.. من الحزن يجب ان يتولد المرح، كما يتحتم أن يتولد عن المطر خصب وغلال، ولكن الشاعر غريب ناء ولهذا فان المطر لم يولد في نفسه إلا جوعا، - شوقا إلى الام، إلى القرية، إلى الطبيعة؛ والشاعر والعراق سيان، لأن المطر لم يولد في العراق إلا الجوع؟ لأن الغلال التي يسكبها المطر لا يأكلها إلا الغربان والجراد؟ وتاريخ المطر في العراق طويل، ولهذا كان تاريخ الجوع فيه طويلا:

وكل عام حين يعشب الثرى نجوع (١) ... ما مر عام والعراق ليس فيه جوع ... والمطر يهطل: دفقة اثر دفقة؟ والرحى تدور في استخراج الغلال؟ ولكنها تمزجها بقطرات الدم؟ دم العبيد العاملين لإشباع الغربان والجراد،؟. إلا أن دفقات الأمطار والدماء لا بد ان تنداح كراتها وقطراتها عن عالم فتي جديد فيه الحقيقة المغايرة، فيه البسمة والنور:


(١) ديوان أنشودة المطر: ١٦٤.

<<  <   >  >>