للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شعر السياب. والثاني: أن الباب الذي فتحه ترديد لفظة " عراق " أفضى إلى عراق الطفولة لا إلى عراق الواقع الراهن حينئذ؟ أو ما يسميه الشاعر " عراق روحه "، فكأن الصلة التي تربطه با العراق هي عالم الطفولة وذكرياتها.

وهذا الأمر الثاني يؤدي بنا توا إلى قصيدة " أنشودة المطر " والى الفرق الكبير بينهما وبين القصيدة السابقة، بل إلى الفرق بينهما وبين كل ما سبقها من قصائد دون استثناء، فهي تقارب قصيدة " غريب على الخليج " في استغلال السحر الكامن في الكلمة، ولكن الكلمة هنا حقيقة كلية، تحقق عالما جديدا لا عودة ذاتية؛ وفي كلتا القصيدتين تنبعث الطفولة، ولكن انبعاثها هنالك ذكرى جميلة (تزيد من وضوح المفارقة مع الحاضر) أما هنا فان الطفولة جزء من حياة كبرى - فالعودة إليها ليست هربا إلى الماضي، وإنما هي وصل للماضي بالحاضر، ووصل للذات بالمجموع، ووصل للفرد بالمجتمع، حتى ينتج عن ضروب هذا الوصل وحدة عامة تستشرف المستقبل في ثقة الإنسان المطمئن إلى المصير الإنساني.

الحبيبة؟ في فاتحة القصيدة - هي الأم أو القرية أو العراق، أو هذه الثلاثة مجتمعة، والحب قوة ساربة في الإنسان والطبيعة على السواء: العينان غابتا نخيل ساعة السحر وحين تبسمان تورق الكروم وترقص الأضواء كأنها أقمار في نهر يرجه المجذاف، أو كأن النجوم ترقص في غوريهما، فإذا غابتا في ضباب الأسى أصبحتا كالبحر " سرح اليدين فوقه المساء " وأخذ يخفق فيه تيار من الحياة؟ فهو يعكس دفء الشتاء وارتعاشه الخريف والموت والميلاد والظلام والضياء؟ لا فرق بين الأم الكبرى والأم الصغرى، كلتاهما لبعدها تثير في نفس الطفل " رعشة البكاء ونشوة وحشية تعانق السماء "؟. عينا الأم

<<  <   >  >>