للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللؤلؤ والمحار وفيه الردى أيضاً، فيه الدم والجوع والحب والطفولة والموت، ولكن لا بأس: انه نهر الحياة الذي يحمل الناس جميعا إلى عالم فتي يهب الحياة. وهذا الهدوء التقبلي ليس جبرية وإنما هو اطمئنان إلى قوة التحول، إلى النظرة البدائية التي تربط الإنسان بالأرض وفصولها؟ القصيدة هنا كالأرض تهتز بالمطر لتربو نسمة الحياة، وان كان المطر يحدد سطحها ويجرف بعض معالمها، والأرض هي الأم، التي تمنح الحياة ولادة جديدة، ولما كانت القصيدة صورة للولادة الجديدة، فإن الإحساس بها يملأ النفس باستجابة غامضة، تكاد تكون لا شعورية.

ولهذا كله امتلأت القصيدة بصور نابضة أو متفتحة أو مشرفة على التفتح: " الكروم تورق؟ الأضواء ترقص؟ المجذاف يرج الماء - النجوم تنبض؟ ارتعاشه؟ الخريف؟ رعشة البكاء؟ الخليج يفهق بالؤلؤ والمحار والردى؟ العراق يذخر الرعود والبروق؟ الرجال يفضون الختم عنها؟ القطرة تنفتح عن أجنة الزهر -؟ " وليست هذه صورا للتزيين، وإنما تعتمد إيحاءات اللفظة والصورة معا لتمهد الطريق إلى التفتح الكبير؟ الذي تستعد له الحياة، وقد استطاع السياب أن يتخلص من صور الجنس التي كانت تعذبه وتملأ أخيلته في قصائده الأخرى حين جعلها تخب تحت صور الحياة عامة، ولم ينثرها على سطح الصورة الكبرى؛ وبالجملة صهر السياب ذاته وتجربته السابقة وموقفه الإنساني في " قصيدة "، بعد أن طال به العهد وهو يجيل قلمه في ميدان التجريب والخطأ.

<<  <   >  >>