أنسجة الأوهام؛ ولكن؟ مهما يكن من شيء - فان القروش القليلة في بغداد وبين الصحاب أجمل كثيرا من غسل الصحون وتنظيف الغرف وترتيب الأسرة في الكويت.
وأكبر شيء تلقاه السياب الضربة المفاجئة انه وجد رفاقه اليساريين قد تناسوا مواقفه في المظاهرات وقصائده المثيرة للجماهير، وأحس أن الغربة قد جعلت ألوان كفاحه تميل إلى الشحوب، بينا أخذ يلمع في الاتجاه اليساري اسم شاعر آخر، هو عبد الوهاب البياتي، فلم يغفر السياب لليساريين ما عده تنكرا لفنه في سبيل اليسار، ولم يغفر للبياتي هذه الجرأة التي منحته الشهرة دونه، ولم يغفر للزمن ذنبه في أن أتاح للبياتي تلك الفرصة؛ وأخذت النار تقترب من الفتيل المشبع بالبنزين؟ الفتيل الدقيق الذي يربط بين السياب واليساريين.
وأخذ السياب يعرض ما كتبه أثناء اغترابه على الرفاق، فأعجبتهم الروح العامة في قصيدة " الأسلحة والأطفال " ولكنهم أبدوا شيئا من التردد في قبول " المومس العمياء "، بل ذهبوا إلى ما هو أبعد في فرض رأيهم عليه حين أمروه؟ على حسب تعبيره - بأن ينشر القصيدة الأولى قبل الثانية (١) . وبدأت المحاكمات والمكايدات الصغيرة تكشف عما قد اختمر في نفسه، وكانت الظروف معينة على تطوير تلك المكايدات. فقد نصحه بعض أصدقائه بأن يثبت وجوده في الميدان لئلا ينساه الناس، وأن يطلب الشهرة خارج حدود العراق، ذلك لأن ما ينشر في العراق ربما يتجاوز حدوده في كثير من الأحيان، وتلفت السياب حوله فرأى ان مجلة الآداب خير ما يكفل لشعره الذيوع والشهرة، فأرسل إلى المجلة قصيدة بعنوان " يوم الطغاة الأخير " وكتب تحت العنوان: " أغنية ثائر عربي من تونس لرفيقته "، وليس في القصيدة