للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أية دلالة على تونس أو على أي مميزات خاصة تجعل الثائر عربيا، ولكن السياب كان يعلم أنه يتقدم إلى مجلة الآداب أول مرة، وأن للمجلة طابعا خاصا ونزعة معينة تحرص عليهما، فكان إهداء القصيدة تقربا إلى المجلة وقرائها.

ويقول السياب: " وثارت ثائرة الشيوعيين لهذا الإهداء " (١) ولا يستطيع المرء الذي لم يلابس طبيعة تلك المماحكات والمكايدات عن كثب أن يجد أية علة مقبولة للغضب من تلك العبارة، فالثائر حين يثور لا يتخلى عن انتمائه، اللهم الا أن يكون بعض الناقمين على ذلك الإهداء كانوا يرفضون ان يعدوا التونسي عربيا. وأيا كانت الأسباب فان السياب مضى في المكايدات شوطا آخر، ليوجد لنفسه عذرا في الانفصال مستمدا من أحداث الواقع لا من الأحاسيس النفسية الدخيلة. فنشر قطعا من قصيدة " المومس العمياء " في مجلة الأسبوع العربي التي كان يصدرها خالص عزمي (٢) ، ومنها تلك القطعة التي تتحدث عن أن " بطلة " قصيدته عربية النسب، فلما قرأها بعض الرفاق (وأكثرهم من اصل إيراني) هنأوه عليها (٣) لأنه غمز من قناة العرب وأسطورة العرض والشرف الرفيع؛ وكان السياب؟ في حقيقة الأمر - قد جعل ذلك المقطع من قصيدته للغاية التي أدركها الرفاق فيه، فأحس في سرورهم أنه يكاد ولا يكيد، وأنه قد عرض قومه للشماتة، فأحب أن يرد الصاع بمثله، فلما نشر القصيدة كاملة في كراسة مستقلة، كتب تعليقا على ذلك المقطع يقول فيه: " ضاع مفهوم القومية عندنا بين الشعوبيين والشوفينيين، يجب أن تكون القومية شعبية والشعبية قومية؟. أفليس عارا علينا نحن العرب أن تكون بناتنا بغايا يضاجعن الناس من


(١) المصدر السابق.
(٢) العبطة: ١٤.
(٣) الحرية: ١٤٤٣.

<<  <   >  >>