للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أشخاص كانوا بقية من بقي في المسجد " (١) . وقد قرن بعضهم بين وفاة بدر وبين " المطر " خامس المشيعين لتلك الجنازة، وهي التفاتة لا بأس بها، فان " المطر " في شعر بدر يمثل الحياة والموت معا، ولكنا حين نأخذ في إثارة هذه اللفتات، قد نقف عند لون السيارة أيضاً فنجد ان " اللون الأحمر " لم يتخل عن بدر وان حاول بدر التنصل منه، ولو أمعنا في الإثارة لربطنا بين الميت الذي لفظته أمواج الخليج في قصيدته " غريب على الخليج " وبين موت بدر نفسه غريبا على سيف الخليج نفسه، وإذا ذهبنا هذا المذهب لم نكد نحجم عن القول بأن مالية بدر الصحيح الجسم لم تسعفه على الرحلة، وتكفل المرض باطلاعه على دنيا لم يكن يعرفها فكأن تطاول المرض إنما أعطاه فرصة ليودع بيروت ورومة ولندن وباريس وهذا سياق متشعب والخوض فيه ضرب من التفسيرات الباطنية.

وأبين من كل ذلك دلالة على فداحة العبء الذي ينهض به الفرد العربي حيا وميتا أن نذكر حادثة أخرى لا تتحمل التفسير الباطني أبداً: كان أحد الأربعة الذين يرافقون الجنازة قد اتصل هاتفيا بدار الفقيد ليخبر زوجه أن الجنازة قد وصلت. ولكن ما الذي يجري في تلك الساعة؟ كانت الزوجة ومن يعاونها من أقربائها قد أخذوا يقومون بنقل الأثاث لإخلاء البيت الذي يسكنونه فقد أصرت مصلحة الموانئ على ضرورة إخلائه غير مصغية إلى التماس الشفعاء وتوسلات الضعفاء. مصلحة المواني آلة إلكترونية لا مجال فيها لغير الأرقام، والأرقام تقول: انه منذ كذا وكذا انقطعت صلة المسمى بدر شاكر السياب بتلك المصلحة، ومعنى ذلك ان البيت لم يعد بيته.

لن نقف عند هذه المفارقة أيضاً، فمن ذا الذي يجرؤ أن يلوم بدرا على ما كان يحس به من قلق تجاه الأيتام الثلاثة وامهم؟ ولكنه حينئذ


(١) الثورة العربية ١٨ - ٧ - ١٩٦٥.

<<  <   >  >>