للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طفولتي صباي أين أين كل ذاك ... ورأى الفناء يحدق إليه من الحجار كما وجد صنوه في دمه:

أم أنني رأيت في خرابك الفناء ... محدقا إلي منك، من دمي ... مكشرا من الحجار؟ ... وسماه في القصيدة الثانية، " منزل الاقنان " (١) ، وهي تسميه غريبة، إذ من المعروف أن القن تعني " من يولد عبدا "، فهل اختار الشاعر هذه التسمية لأن نزعة إقطاعية ساورته في تلك اللحظة أو لأنه كان ينظر في شيء من الاحتقار إلى الإقطاعيين الذي لم تبق منهم بقية سوى جدران بيت خرب؟ ليس هناك جواب حاسم ولكنا نعلم من قصيدة أخرى أن لفظة " قن " ترد في معرض التنقص والتحقير:

ونفسا حدها بين السرير وبين قائمة الحساب كأنها قن ... من الأقنان (٢) ... ولكنا لا ندري لمن كان يوجهها وهو يتحدث عن بيت جده.

وحين وجد السياب أن الفناء قد عصف برواء جيكور التفت بشدة إلى ذكريات الماضي، وأراد ان يبعثه حيا أو ان يعيد بناء لبناته من جديد، ومما قوى التفاته إلى ذكرياته، وقوعه في براثن المرض، فإن العودة إلى الماضي أصبحت ملجأه من حاضره المعذب بالأسقام، ولهذا انقسم شعره في هذه الفترة في موضعين ذاتيين على الأغلب: الحديث عن آثار الماضي وصوره أو الحديث عن آلام الحاضر، وقد يجمع بين الموضوعين علاقة الشاعر بالموت.


(١) انظر ديوان منزل الاقنان: ٨٢ وما بعدها.
(٢) إقبال: ٢٦.

<<  <   >  >>