للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقال الشاعر بلند الحيدري وهو يممىء إلى الانفصام القائم بين حقيقة الشعر والحركات التمثيلية: " ولم نكن لنمل من سماعه رغم ما في إلقائه من دراماتيكية لا تبدو مريحة في أحيان كثيرة " (١) . وتقول الأديبة السيدة خالدة سعيد متحدثة عن إلقاء بدر في فترة متأخرة: " كان يقف على منبر الندوة اللبنانية بهيكله الواهي وعينيه الصغيرتين يصرخ بصوت غريب تموجه قشعريرة مرعبة، يتفجر من أبعاد قصية " (٢) ؟ وتلك أقوال متقاربة في الدلالة، وان تفاوتت فيها الصياغة التعبيرية.

ومن رأى بدرا في تلك الفترة وهو يرتاد تلك الندوات الأدبية ويذهب في صحبة خالد إلى جمعية الشبان المسلمين ويزور جريدة " الاتحاد " في محلة الصابونجية ليلتقي بلفيف من الأدباء، ويعمد إلى مقهى " الزهاوي " لأنه يعرف أنه سيلقى فيه المشتعلين بالصحافة والأدب ويتمشى في شارع الرشيد مع فئة من الأصدقاء، ويضحك بقهقهة عالية في ساحة دار المعلمين، ويداعب هذا ويدبر (المقالب) المضحكة لذاك من رفاقه، وقدر انه سابح ماهر في تيار المجتمع، وأن بغداد استطاعت أن تكون أما رءوما تضمه إلى صدرها. ولكن الحقيقة كانت على خلاف ذلك، فقد كان بدر حينئذ ما يزال وحيدا تائها عن نفسه، لا يجد له منتمى، ولا يحاول الانتماء: فهو يطلب الوحدة لنفسه في مقهى " إبراهيم عرب " أو مقهى " مبارك " ومعه عدد من الكتب اغلبها من الدواوين الشعرية، فإذا سئم القراءة حومت به الذكريات حول الريف وحياته الوادعة لبريئة، وهالة أن يجد هوة قد أخذت تنفرج تحت قدميه بين هذه الحياة الجديدة وتلك الحياة التي عاش يتغنى بها، وأخذت مخيلته تقارن بين ما كان وما جد من سئون. وفي قصيدة " الذكرى " (٣) نجده


(١) أضواء: ٤٠.
(٢) أضواء: ٣٧.
(٣) تاريخ هذه القصيدة ليلة ١٨/٨/١٩٤٣.

<<  <   >  >>