للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وفي ثغرها افتر كل الزمان ... وما عمر آذار إلا شهر

وبالروح فديت تلك الشفاه ... وان اذكرتني بكأس القدر وفي قصيدة " أهواء " نفسها عرض لتاريخه مع فتاة الريف، في تدرج كالذي صوره الأستاذ عبد الجبار البصري: افترار الشفاه بما يشبه البسمة الحانية ثم اللقاء، وفي فصل الشتاء التالي اضطر ان يلجأ هو وإياها إلى ظل الشجر وهو يحتضنها لئلا يصبها بلل، ثم كان خصام أعقبه صلح ولقاء، وهي قد حجبت خديها بكفيها، ثم أرختهما، ومضى عام آخر من الهناءة وهما يلتقيان بالتحايا والبسمات، وهو قد حفر اسمها على جذع نخلة هنالك، ثم تزوجت الفتاة، وناداها وهي تعنى بالرضيع والزوج، غير ساه عن انه لم يعد له وجود في عالمها:

أناديك لو تسمعين النداء ... وأدعوك؟ أدعوك؟ يا للجنون

إذا رن في مسمعيك الغداة ... من المهد صوت الرضيع الحنون

ونادى بك الزوج ان ترضعيه ... ونادى صدى أخفته السنون

فما نفعها صرخة من لهيب ... ادوي بها؟ من عساني أكون وعبارة " من عساني اكون؟ " تحمل الاعتراف باللاجدوى، وبأنه انما يراجع ذكرياته مراجعة التاجر المفلس للدفاتر القديمة.

ولكن لم هذه المراجعة؟ انه يقدم حسابه للمنتظرة، ليقف أمامها نقي الضمير، يستقبل حبها طرد جميع خيالات الماضي:

سأروي على مسمعيك الغداة ... أحاديث سميتهن الهوى وحين يمعن فب اللفتات الملتاعة يحس انه لم ينصف هذه المنتظرة " التي صورتها مناة "؟ فتاة الهوى والخيال - ولذلك يعاتب نفسه على ان المنتظرة ترفعه إلى السماء ما يزال يتحدث إلى " تراب القرى ":

نسيت التي صورتها مناي ... وناديت أنثى ككل الورى!

وأعرضت عن مسمع في السماء ... إلى مسمع في تراب القرى؟

<<  <   >  >>