للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن خلائقه مثل النسيم إذا ... يبدو إلى بصري أبهى من القمر

أثقلت ظهري ببر لا أقوم به ... لو كنت أتلوه قرآناً مع السور

أهديت لي الغرب مجموعاً بعالمه ... في قاب قوسين بين السمع والبصر (١) وفي مجلس ابن يغمور تعرف إلى كثير من الشعراء ومنهم سيف الدين المشد قريب ابن يغمور، كما كان كثير التردد على منزل جلال الدين المكرم - الذي سيأتي التعريف به. وفي القاهرة تعرف إلى ابن العديم حين حلها رسولاً، وأوقفه على شيء من تصانيفه، وأهدى إليه كتاباً من كتبه بخطه، وأنشده مقاطيع من شعره (٢) .

وقد أصيب بالصمم في السنوات الأخيرة من عمره (٣) ، فأصبح عرضة لسوء الظن في بعض ما يقال، وقد اتفق أن اجتمع يوماً بسيف الدين المشد، فتوهم أنه سمع منه كلاماً لا يليق به، فعاتبه، فقال المشد قصيدة يعرض فيها بعض مصنفاته، وأنه ينشئها " اختلاساً من كاتب وكتاب " (٤) . وكذلك أصيب بعد ذلك بنزول الماء في عينيه حتى عمي، فقدحهما وأبصر واستأنف الكتابة، وعوفي، ثم شرب مسهلاً، وأعقبه بشرب آخر، فأدركه حمامه على أثر ذلك في الثالث عشر من المحرم سنة ٦٥١/ ١٦ مارس ١٢٥٣ بالقاهرة (٥) ، ودفن في مقبرة باب النصر.

[٢ - شخصيته وثقافته:]

يقول ابن العديم مصوراً ما انطبع في نفسه من شخصية التيفاشي: " اجتمعت به القاهرة؟ فوجدت شيخاً كيساً ظريفاً "، وفي هاتين اللفظتين خلاصة السمات التي كان يتميز بها التيفاشي، فالكيس - وهو صفة قلما يوصف بها الشيوخ - صفة تشير إلى خفة وتوقد معاً، وتلحق بالظرف حتى تلتبس به، وصاحب هاتين الخلتين يكون بحسب مفهومنا اليوم " رجلاً اجتماعيا " يلابس الناس ويخف على نفوسهم، وهذا القبول الاجتماعي يصبح ضرورة إذا كان صاحبه " طُلَعَةً " - مثل التيفاشي - لا يفتأ يرود كل الميادين، ويواجه أصنافاً مختلفة من الناس، ويطرح مختلف الأسئلة، يتغلغل في صميم المشكلات، ويحاول أن يدرس


(١) نفح الطيب ٢: ٣٢٥ وبغية الطلب ٢: ١٦٠، وانظر ملحق هذه المقدمة.
(٢) بغية الطلب ٢: ١٥٩ - ١٦٠.
(٣) انظر اختصار القدح: ٢١٢ ((فلم يسمعه لثقل كان في سمعه)) .
(٤) الوافي ٨: ٢٩٠ - ٢٩١.
(٥) بغية الطلب ٢: ١٦١.

<<  <   >  >>